لم تمهل رصاصات الاحتلال الشاب أحمد حكمت سيف لكي يحتفل بخطبته ولا بزفافه، فأردته شهيدًا، ليحدد موعدا جديدًا للاحتفال، لكن في الجنة.
سيف، ابن ال 23 عاما، أمضى ثمانية أيام في المستشفى بعد إصابته برصاص الاحتلال، واستشهد فجر الأربعاء متأثرًا بإصابته، تاركًا خلفه عائلة كانت تستعد للاحتفال به، وخطيبة كانت ترسم في مخيلتها أحلامًا وردية.
ففي الأول من مارس الجاري، خرجت مسيرة ليلية من وسط بلدة برقة واتجهت إلى مدخل البلدة على طريق نابلس- جنين في يوم الغضب نصرة للأسرى.
في تلك الأثناء، كانت قوات الاحتلال تنصب كمينا في المنطقة، ولدى وصول المسيرة واندلاع مواجهات، بادر الجنود لإطلاق الرصاص الحي باتجاه الشبان، فأصيب أحمد بخمس رصاصات.
كانت معظم الإصابات في الأجزاء العلوية من جسده، وواحدة في الفخذ تسببت بقطع الشريان الرئيس، ما أدى لنزيف وفقدان كميات كبيرة من دمه.
وما تسبب بتدهور حالته، هو ترك الجنود له على الأرض لبضع دقائق ومنع الاقتراب منه، قبل أن يتمكن الشبان من سحبه ونقله بمركبة خاصة إلى مستشفى النجاح الجامعي بنابلس.
خضع أحمد لعدة عمليات جراحية واحتاج لأكثر من 40 وحدة دم، لكن جهود الأطباء لم تفلح في إنقاذ حياته.
عماد سيف، عم الشهيد أحمد، عبر عن اعتزازه بابن أخيه الذي استشهد في الدفاع عن أرض وطنه، وكان في خط المواجهة الأول مع الاحتلال.
وقال لوكالة "صفا": "بعد 8 أيام من الإصابة اصطفاه الله شهيدًا".
دوما في المقدمة
في بلدة برقة، تجمعت عشرات النسوة في بيت عائلة الشهيد، للوقوف إلى جانب والدته التي فجعت بأعز أبنائها.
وبقدر لوعتها على فراقه، عبرت والدة سيف عن اعتزازها بابنها الذي كان دائمًا في الصف الأول في المواجهة مع الاحتلال.
وقالت لوكالة "صفا": "كان لا يخشى جنود الاحتلال، وكان يتمنى الشهادة، وصرح بذلك في منشورات عديدة".
وتضيف: "كان ولدي المدلل بين إخوته، ولا أرفض له طلباً".
وبكلمات تخنقها الدموع، استذكرت اللحظات الأخيرة التي جمعته بها.
وقالت: "بعد عودته إلى البيت، تناول الغداء، وعندما سمع النداءات للمشاركة بالمسيرة، خرج من البيت بعد أن طلب رضاي".
وما هي إلا دقائق، حتى وصلت أنباء إصابة أحمد برصاص الاحتلال ونقله إلى المستشفى.
كل شيء انتهى
خطيبة أحمد، الطالبة الجامعية جمان كبها، كانت تغالب دموعها وتحاول في الوقت نفسه التخفيف عن والدته.
وقالت لوكالة "صفا": "عقدنا القران قبل 4 شهور، وكنا نخطط لإقامة حفل الخطوبة في شهر 6 لكن الآن كل شيء انتهى".
وأضافت: "بنينا آمالا كبيرة، ورسمها أحلاما لحياتنا المستقبلية، لكن لم يتم النصيب، وإن شاء الله عرسنا سيكون في الجنة".
وأشارت إلى أن آخر لقاء مع خطيبها كان في نفس يوم إصابته، حيث التقيا في مدينة نابلس وأمضيا ساعات النهار معا.
وعندما حان موعد الفراق، طلبت جمان من أحمد أن يصطحبها إلى برقة لزيارة عائلته، لكنه رفض، إذ كان يخشى أن يغلق الاحتلال مداخل البلدة بعد المسيرة التي ستنظم مساء ذلك اليوم، ما قد يحرمها من الوصول إلى الجامعة في اليوم التالي.
وقالت: "كان هناك إحساس بداخلي أن مكروها ما سيصيب سيف، وبعد أن عدت إلى السكن وصلني خبر إصابة أحمد، فجريت مسرعة إلى المستشفى".
"شاب خلوق يحب الخير للجميع"، هكذا وصفت جمان خطيبها الشهيد، مضيفة: "أي فتاة تتمنى أن يكون أحمد عريسها، وكل أمّ تتمنى أن يكون ابنها".