كُشف قبل أيام عن عمل وحدة إسرائيلية تسمى "جدناع" في إحدى مدارس النقب جنوب فلسطين المحتلة عام 1948 تغلغت سرًا للمدرسة، لنشر أفكار تخدم سياسة الاحتلال، وترغّب بالتجنيد في صفوف الجيش الإسرائيلي.
عمل الوحدة المذكورة يجري بسرية تامة، إلا أن الكشف عنه جاء عبر صحيفة عبرية رسمية، في وقت يشهد فيه النقب الفلسطيني هبة شعبية شكلّت نموذجًا للجيل الصاعد ضد ممارسات حكومة الاحتلال.
ويؤكد مسؤولون بالنقب والداخل أن الكشف عن عمل الوحدة في هذا التوقيت تحديدًا "غير بريء ويحمل غايات تستهدف البدو"، وفي ذات الوقت فإن هذا الكشف "الخبيث" سيزيد من يقظة وتصدي المدارس بالنقب لهذه الوحدة.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية فإن "الوحدة التابعة للجيش تنشط في قرية السيد بالنقب، وقد تسبب بحالة غضب ورفض واسعين وسط أهل النقب".
تعمل سرًا ومحصورة
وعن وحدة "جدناع" يقول القيادي والباحث بالشئون الاجتماعية والتعليمية في النقب عامر الهزيل في حديث لوكالة "صفا" "إن نشاط الوحدة محصور في بعض المدارس المرتبطة بالسلطات الاحتلالية".
ويضيف "أن عمل هذه الوحدة سري للغاية، وهو محاصر بشكل كبير من لجان أولياء الأمور بالمدارس، وإن حصل فهو يحصل بكتمان تام، أما عن الكشف عنه فإن المدرسة المذكورة تنصلت من مسئوليتها وأنكرت علمها بوجود نشاطات الوحدة داخل المدرسة".
كما أن وزارة المعارف الإسرائيلية تنصلت أيضًا من مسئولية وجود هذه الوحدة العسكرية في المدرسة، وقالت في بيان لها "إن المسئولية ملقاة على عاتق وزارة الجيش الإسرائيلي في هذه القضية".
الهزيل يقول "إن نشاطات الوحدة هي برامج لتأهيل الشباب والشابات للجيش لمدة عام، أي قبل إنهائهم للصف الثاني الثانوي، عبر جولات وتأهيل وتجهيزات ميدانية ونفسية".
وتنفذ "جدناع" نشاطاتها في الخلاء عبر اصطحاب الطلاب إلى هناك، لتعمل على "تجهيزهم نفسيًا لأن يكون كل منهم جندي إسرائيلي"، حسب الهزيل.
من المستهدف؟
وتستهدف نشاطات الوحدة "حشو العقلية العسكرية الإسرائيلية بعقول الطلاب البدو، والتي ترتكز على كراهية العرب والموت لأجل إسرائيل، وضرورة الولاء لها، وهو نوع من التسلل للوعي الفلسطيني من باب مشاريع الأسرلة التي تحاول تطبيقها على الداخل برمته".
لكن الهزيل يعيد الكرة بقوله "إن نشاط الوحدة محصور جدًا وإذا ما كان فهو سرًا، وأستبعد أن يكون لها نشاط في مدارس أخرى، هذا إن كان فعلًا موجود في المدرسة التي كشفت عنها الصحيفة".
أما عن قضية كشف الصحيفة العبرية لعمل الوحدة بهذا التوقيت في إحدى مدارس النقب تحديدًا، فهو محاولة "لتشويه الحقيقة التي يشهدها النقب والنموذج الذي يشكلونه في وجود جيل شاب صاعد لديه من الوعي الوطني بتجاه كل ما يحدث له من سياسات احتلالية"، وفق قوله.
وأظهرت نتائج دراسات إسرائيلية أخيرة أن 73% من الشباب والطلاب في الداخل يرفضون الالتحاق بما تسمى "مشاريع الخدمة المدنية" رغم وجود مغريات فيها، وهو ما يعكس وعيهم بأن هذا العنوان هو خطوة نحو الخدمة العسكرية بجيش الاحتلال.
عودة لمشاريع الأسرلة
من جانبه، يقول عضو لجنة متابعة التعليم في الداخل الباحث محمد فرحان في حديث لوكالة "صفا" "إن دخول وحدة جدناع أو محاولة إدخالها لمدارس النقب، يأتي ضمن عودة إسرائيل لمشاريعها الأولى في الأسرلة".
ويضيف "هذه العودة جاءت بعد حالة التفاعل الكبيرة مع قضية النقب التي فاجأت المؤسسة الإسرائيلية وكانت صدمة لها، لأن الشباب بالنقب كان واعيًا جدًا لسياسات إسرائيل".
"الاحتلال يريد إعادة زرع مثل هذه الوحدة عبر بعض الشخصيات المحندة التي لا تذكر في النقب ولا تمثل أهلها، من خلال مشاريع عديدة"، وفق فرحان.
وتضاف "جدناع" إلى مشاريع ووحدات إسرائيلية أخرى "أكثر نعومة" تحاول المؤسسة الإسرائيلية تنفيذها وسط الطلاب الجامعيين والشباب والنساء في النقب والداخل عامة.
لكن فرحان يلتقي مع الهزيل بالتشديد على "أن الوعي لدى الشباب الفلسطيني أصبح أكثر نضجًا تجاه هذه السياسات"، مستشهدًا بالرد القوي والعنيف من المثقفين والطلاب والأهالي والهيئات في النقب تجاه الكشف عن عمل وحدة جدناع بإحدى المدارس.
ويؤكد أن مشاريع الأسرلة بالعموم وفي المرحلة الراهنة التي يشهدها الداخل الفلسطيني عامة، تتمحور في معظمها حول مخاطبة الإنسان الفلسطيني بهمومه ومصالحه الفردية، لإبعاده عن قضاياه الوطنية والمصيرية.
وعن مخاطر هذه المشاريع من عدمه، يؤكد أنها " خطيرة وتشتد بعد الهبة التي نحن فيها، وهناك ضخ لعدد من الميزانيات التي للوهلة الأولى تغري الشباب ويجب التنبه لها".
لكن فرحان يشدد على أن "معظم هذه المشاريع سبق وأن تم صدها بشكل كبير وفشلت في تحقيق أهدافها".