رأى مختصان بالشأن القانوني والحقوقي أن الوقت لم ينفد بعد لمحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه على الجرائم المقترفة بحق الفلسطينيين، ومن أبرزها مجزرة الحرم الإبراهيمي، التي توافق ذكراها الـ 28 هذه الأيام.
وأسفرت المجزرة التي ارتكبها المستوطن "باروخ غولدشتاين" فجر الجمعة الـ 25 من فبراير/شباط 1994، عن استشهاد 29 مصليًا وجرح 15 آخرين.
وفتح المستوطن نيران سلاحه الرشاش على المصلين داخل الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل وهم سجود، وفي نفس الوقت قام آخرون بمساعدته في تعبئة الذخيرة التي احتوت "رصاص دمدم" المتفجر.
وأثناء تشييع ضحايا المجزرة، أطلق جنود الاحتلال الرصاص على المشيعين فقتلوا عددًا منهم، مما رفع عدد الضحايا إلى خمسين و150 جريحًا.
وعملت سلطات الاحتلال منذ الجريمة على تقسيم المسجد الإبراهيمي بين المسلمين واليهود، وممارسة سياسات التهويد والاستيطان بمدينة الخليل ومحيطها.
ويوم 18 مارس/آذار 1994، صادق مجلس الأمن الدولي على قرار يدين مجزرة الحرم الإبراهيمي، ويدعو لاتخاذ إجراءات لحماية الفلسطينيين بما فيها نزع سلاح المستوطنين.
وحتى اليوم، وبعد 28 عامًا من الجريمة لم يُقدَم المسؤولون عن تنفيذ هذه المجزرة ومن ساندهم للمحاكمة أو المساءلة، وهو ما يفتح باب التساؤلات عن الجهة التي يُفترض أن تتابع القضية قضائيًا.
"تقصير رسمي"
ووفق الخبير في القانون الدولي المستشار نافذ المدهون، فإن المستوى الفلسطيني الرسمي هو المسؤول الأول عن عدم متابعة هذه المجزرة بتقديم المجرمين للمحاكم الدولية، "حيث إن السلطة الرسمية هي من وقعت على الاتفاقات وهي التي تتواصل مع المؤسسات الدولية والدبلوماسية وكافة الجهات القضائية المختصة".
وأرجع الخبير المدهون عدم المتابعة الرسمية لهذا الملف لـ"العجز الذي تعاني منه هذه السلطة في مقاضاة الاحتلال، بالإضافة لغياب المساءلة والمحاسبة الشعبية للسلطة لعدم اهتمامها بقضايا الشعب الفلسطيني وحقوقه"، وفق قوله.
وشدد على أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، "والمطلوب وجود قيادة فلسطينية وطنية صادقة تتحرك على المستوى الدولي".
وقال المدهون إن: "المؤسسة الرسمية هي المخولة والمفوضة نيابة عن الشعب الفلسطيني لمتابعة هذه الملفات، ومنظمات حقوق الانسان ومؤسسات المجتمع المدني لا تستطيع التقدم بطلب محاسبة المجرمين دون دعم سياسي ودبلوماسي من المستوى الرسمي".
وأضاف "يجب أن تبدأ الشرارة من المستوى الرسمي والتحرك الدبلوماسي، ولكن للمؤسسات الحقوقية دور مهم في متابعة ورصد هذه الانتهاكات، لكنها غير مخولة بمتابعة المستوى القضائي الدولي الذي لا يقبل التعامل إلا مع الدول ولا نُحمّلها المسؤولية".
وتابع المدهون "على هذه المؤسسات أن تبحث عن طرق للتعاون الدبلوماسي في الخارج من أجل تحقيق اختراق بهذا الموضوع، وسكوتها على السلطة يحملها شيئًا من المسؤولية وإلا ما قيمة عملها".
محكمة خاصة
أما رئيس مركز حماية لحقوق الانسان المستشار أسامة سعد، فأوضح لـ "صفا" أن المجزرة حدثت في وقت لم يكن فيه قضاء دولي، ولم تكن المحكمة الجنائية الدوية قائمة في ذلك الوقت، والتي أسست عام 2002م.
وذكر المستشار سعد أن اختصاص محكمة الجنايات الدولية ينعقد بداية من تشكيلها عام 2002 ولا يسري بأثر رجعي، لافتا إلى أن فلسطين تأخرت أيضًا بالتوقيع على ميثاق روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.
وتابع "بالتالي ينعقد اختصاص المحكمة على الأراضي الفلسطينية عام 2014 فقط وما يلي ذلك، ولكن هذا لا يمنع أن نطالب بمحاكم المجرمين الذين نفذوا وساعدوا ووفروا الحماية لمرتكب الجريمة "غولدشتاين" أمام قضاء دولي يكون في المستقبل قادرا على محاكمة كل من أجرم بحق شعبنا بما في ذلك مجزرة الحرم الإبراهيمي".
وقال سعد: "لو اهتم العالم بمحاكمة المجرمين المتسببين في مذبحة الحرم الإبراهيمي بالخليل لشكل محكمة خاصة في ذلك الوقت كما تم عقب الحرب العالمية الثانية عندما تم تشكيل محاكم "نورمبريج "لمحاكمة القادة النازيين في ذلك الوقت على جرائمهم".
وبين أنه في مثل هذه الحالات حين حدوث جرائم دولية يُصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا بتشكيل محكمة خاصة، "لكن انحياز العالم للاحتلال الإسرائيلي، وعدم وجود قوة عربية إسلامية دافعة بهذا الاتجاه حالت دون ذلك".
وذكر سعد أن إدانة مجلس الأمن للجريمة في ذلك الوقت لا تكفي لإدانة ومحاكمة المجرمين دون أن توضع تحت البند السابع والذي يسمح باستخدام القوة، "لكن الدول دائمة العضوية لن تسمح لوصول قرار الإدانة للبند السابع نظرا لعلاقتها ومصالحها مع الكيان الإسرائيلي".
ولفت إلى أن المحكمة الخاصة تحتاج لقرار من مجلس الأمن، لكنه استبعد أن تسمح الولايات المتحدة وحلفاء الكيان الإسرائيلي بالسماح بذلك.
ولم يُعفِ سعد الجانب العربي والإسلامي من المسؤولية لعدم استخدامهما وسائل الضغط المناسبة.
وقال: "لا شك أن المستوى الفلسطيني الرسمي مقصر لحد التواطؤ في وصول هذه الجرائم للمحاسبة مثل تقرير أمينستي مؤخرًا وتقرير جولدستون وجرائم القتل اليومية بالضفة والقدس".
وأضاف سعد "لكن إذا ما قصر في ذلك كان يجب أن تتولى المؤسسات الحقوقية والقانونية هذا الأمر من خلال تقديم شكاوى لمدعي عام محكمة الجنايات الدولية".
ووفق رئيس مركز حماية، تبقى صفة إحالة هذه الجريمة للمستوى الرسمي كونه الطرف الموقع على الاتفاقات الدولية.