ما هي إلا ساعات معدودة حتى تكرر المشهد مجددًا في حي الشيخ جراح وسط القدس المحتلة، بعدما هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وعشرات المستوطنين الأهالي والمتضامنين معهم بغاز الفلفل والضرب المبرح والاعتقال.
حالة من التوتر الشديد تسود الشيخ جراح، عقب اقتحام المستوطنين بحماية قوات الاحتلال المدججة بالسلاح، الليلة الماضية ويوم الأحد، الحي ومهاجمة منازل المقدسيين والاعتداء عليهم بالدفع بقوة، وبالقنابل المطاطية وبغاز الفلفل.
لم تتوقف اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال على سكان الحي، منذ رفضهم "مقترح التسوية" الإسرائيلي بشأن تهجيرهم من منازلهم، في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، بل ازدادت ضراوتها وبات أشد فتكً، في خطوة استفزازية تصعيدية تهدف لزيادة الضغط عليهم ودفعهم للخروج من الحي.
ويتخوف أهالي الشيخ جراح من تزايد الاعتداءات الممنهجة عليهم وممتلكاتهم، خاصة مع فتح عضو الكنيست الإسرائيلي اليميني المتطرف أيتمار بن غفير مكتبًا له مجددًا في الحي.
والليلة الماضية، قمعت قوات الاحتلال أهالي الشيخ جراح "الجزء الغربي"، بالقنابل والأعيرة المطاطية والدفع بطريقة همجية، وأخلت شوارع الحي بالقوة ومنعتهم من الخروج من منازلهم، في حين سمحت للمستوطنين بالتجول والتنقل في الحي، واستفزاز سكانه.
وخلال الاقتحامات، يتعمد المستوطنون استفزاز المقدسيين، عبر توجيه الشتائم والألفاظ النابية لهم، ومطالبتهم بالخروج من الحي، كما حدث اليوم حينما استفزت مستوطنة الأهالي وطالبتهم بالذهاب إلى غزة، وسط مطالبة شرطة الاحتلال للشبان بالدخول إلى منازلهم.
توتر شديد
ويروي عبد الصباغ- أحد السكان لوكالة "صفا" تفاصيل ما حدث في الشيخ جراح، قائلًا إن عشرات المستوطنين برفقة قوات الاحتلال اقتحموا الحي، وشرعوا باستفزاز السكان ومهاجمة المنازل برشقها بالحجارة وغاز الفلفل، الأمر الذي أدى لاندلاع مواجهات.
ويوضح أن مواجهات عنيفة شهدها الحي بين الشبان المقدسيين وقوات الاحتلال ومستوطنيها، وسط إطلاق قنابل الغاز والصوت والأعيرة المطاطية، ما أدى لوقوع إصابات.
ويضيف أن الحي يتعرض لهجمة إسرائيلية لا تتوقف، بهدف الضغط علينا ودفعنا للهجرة والرحيل، بعدما باءت كل محاولات الاحتلال بالفشل لتهجيرنا وإخلائنا من منازلنا قسريًا.
ويشير إلى أن المستوطنين والمتطرف بن غفير عادوا اليوم مجددًا واقتحموا الحي، وأرض عائلة سالم المهددة بالإخلاء، واعتدوا على السكان والمتضامنين برشهم بغاز الفلفل، وسط حالة من التوتر الشديد لا يزال يشهدها الحي.
ويعاني سكان الشيخ جراح وضعًا صعبًا وخطيرًا، جراء استمرار اعتداءات المستوطنين عليهم، كما يقول الصباغ، وهناك حالة ترقب وقلق شديدة، لما سيحدث في الحي، خاصة بعدما أقدم المتطرف بن غفير على فتح مكتبه.
ويؤكد الصباغ إصرار الأهالي على التصدي للمستوطنين وبن غفير بكل الوسائل، قائلًا :"مهما اعتدوا علينا وحاولوا استفزازنا وتهجيرنا من منازلنا وأراضينا، والضغط علينا، فإننا سنتصدى لهم، وسنحمي ممتلكاتنا من أي اعتداءات".
ساحة حرب
وأما الناشط المقدسي صالح ذياب فيقول لوكالة "صفا" إن الاحتلال حول حي الشيخ جراح إلى ساحة حرب، باستخدام الأعيرة المطاطية والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع لقمع السكان، في مقابل توفير الحماية للمستوطنين الذين اقتحموا الحي وبدأوا بالاعتداء على سكانه.
ويضيف "ليلة عصيبة ودامية عاشها السكان، وخاصة النساء والأطفال، بعدما تم مهاجمتهم داخل منازلهم بطريقة همجية، ورشهم بغاز الفلفل، ما أسفر عن إصابة 12 مقدسيًا، بينهم حالات اختناق وحروق، وكذلك اعتقال سبعة آخرين".
ويؤكد ذياب أن السكان يتعرضون لضغوطات نفسية واعتداءات إسرائيلية مستمرة، بسبب رفضهم "مقترح التسوية"، ويحاول الاحتلال بطرق ملتوية وغير قانونية الاستيلاء على المنازل والأراضي بالحي لتحويلها لخدمة المستوطنين.
وبحسبه، فإن اليمين الإسرائيلي المتطرف يحاول بكل الطرق إثبات وجوده في حي الشيخ جراح، لكن صمود السكان وإصرارهم على البقاء يُفشل كل هذه المحاولات.
تصعيد خطير
وفي تصريح له، قال مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس أحمد الرويضي إن حي الشيخ جراح لن يكون إلا فلسطينيًا وكافة الوثائق القانونية تبين ذلك.
وأضاف أن حكومة الاحتلال لا تتعامل مع الموضوع على أساس قانوني، وإنما على أساس سياسي، وهناك مشروع لإقامة 200 وحدة استيطانية وربط ذلك بمشروع "وادي السيلكون" في وادي الجوز والأحياء الاستيطانية التي يخطط لها في بلدة سلوان.
واعتبر ما يحدث في الشيخ جراح هو جريمة تستهدف أهل الحي والقدس بشكل عام، والمقصود دفع الناس إلى الخروج تحت حصار الخوف من المستوطنين، لافتًا إلى أن هناك 28 منزلًا مهددة بالتهجير القسري.
وحمل الرويضي حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن النتائج المترتبة على الاعتداء الذي تم ليلة أمس وصباح اليوم، قائلًا: "كنا قد قلنا إن شرطة الاحتلال هي التي تتحمل مسؤولية التصعيد بالسماح لهذا المتطرف بأن يأتي للشيخ جراح لافتتاح مكتب".
وأضاف "نحن على تواصل مع مؤسسات دولية مختلفة، ومع بعثات عاملة في القدس منذ الصباح، وحذرناهم من خطورة هذه الخطوة، وقلنا بشكل واضح إن الشيخ جراح حي فلسطيني واستمرار الاعتداء عليه بهذا الشكل استمرار لنهج الاحتلال في الاعتداء على أبناء شعبنا وإظهار السياسية والوجه العنصري للحكومة الإسرائيلية".
ودعا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى البدء في التحقيق الفعلي ضد هذه الجريمة وضد جرائم الاستيطان.
وشدد على أن تأخره في بدء التحقيق يعني إعطاء ضوء أخضر للاحتلال للاستمرار في جرائمه، ونحن على اتصال مع حقوقيين دوليين لدفع المدعي العام للبدء بهذا التحقيق وتحمل مسؤوليته في هذا الموضوع".