تعكف بلدية الاحتلال في مدينة القدس المحتلة، على تنفيذ مشاريع بنى تحتية، تهدف إلى ربط مستوطنات شرقي المدينة بغربها، تمهيدًا لتكريس "السيادة" الإسرائيلية الكاملة عليها، واستكمال تهويدها، باعتبارها "عاصمة إسرائيل الموحدة غير قابلة للتقسيم والتجزئة".
وقررت بلدية الاحتلال تخصيص نحو مليار شيكل، لترسيخ ربط المستوطنات، وشبكات المواصلات العامة والقطار الخفيف بين مختلف الأحياء الاستيطانية في المدينة مع شطرها الغربي.
ومن خلال ربط هذه الشبكات، يسعى الاحتلال إلى تعزيز وتوسيع طرق ومسارات لربط سكة القطار الداخلي "الترام"، في القدس من أقصى شمالها في مستوطنتي "راموت، وبسجغات زئيف" حتى جنوبها عند قرية المالحة.
وتبلغ ميزانية بلدية الاحتلال للعام 2022، نحو 12 مليار شيكل، رصد منها مليار شيكل لأعمال تحديث في شبكات الطرق والمحاور الرئيسة، لربط مختلف أنحاء المدينة بشقيها في منظومة مواصلات واحدة.
ويرى مختصون في الشأن المقدسي أن سلطات الاحتلال تسعى إلى ربط شطري المدينة، وفتح المجال أمام المزيد من التواصل بينهما، بما يخدم مصالح المستوطنين، ويسهل عليهم التواصل والتنقل، إضافةً إلى تعزيز رؤية الاحتلال للمدينة المسمى بـ"القدس الكبرى".
ربط المستوطنات
وتعمل "إسرائيل" بشتى الوسائل للسيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية في مدينة القدس، وتغيير خارطتها الهيكلية، وتغلف مشاريعها بطابع "تطوير وتحسين خدماتي". يؤكد الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب لوكالة "صفا"
ويوضح أبو دياب أن سلطات الاحتلال تُسخر إمكانيات مادية هائلة لأجل تحقيق ذلك، وتُسوق مشاريعها التهويدية والاستيطانية أمام العالم على أنها بهدف "لتطوير وتحسين البنى التحتية"، بهدف تقليل الضغط الدولي عليها.
ويرى أن "خطة تطوير البنى التحتية" تهدف لمحاصرة وفصل التجمعات الفلسطينية، والتضييق على السكان المقدسيين وتجزئة الأحياء العربية، عبر إقامة طرق للمواصلات وسكك حديدية والقطار الخفيف، وشوارع التفافية استيطانية، على حساب الأراضي الفلسطينية.
ويضيف أن الاحتلال يهدف أيضًا، لربط مستوطنات شرقي القدس بغربها، وبالبؤر الاستيطانية، لتسهيل وصول المستوطنين دون أي معيقات، وكذلك لأغراض أمنية إسرائيلية بحتة.
وبحسب الخطة الإسرائيلية، فإن بلدية الاحتلال خصصت مبلغ 94 مليون شيكل لتوسيع خطوط السكك الحديدية الخفيفة بين أحياء المدينة، ومبلغ 22.2 مليون شيكل لتعزيز توفر "الخط الأزرق" للسكك الحديدية الخفيفة من مستوطنة "راموت" على جبل المشارف وأراضي لفتا وشعفاط إلى مستوطنة "جيلو" شمال بيت جالا.
ووفق المشروع، فإن الأعمال تشمل استكمال المراقبة والتنسيق، ونقل البنية التحتية والأعمال الأولية على طول الخط.
وأيضًا رصدت ميزانية تقدر بـ44 مليون شيكل لتعزيز توافر إنشاء مستودع لهذا الخط، وجدار على طول محور سكة الحديد للقطار الخفيف الذي سيتم توسيعه وتحديثه.
وبهذا الصدد، يوضح أبو دياب أن القطار الخفيف سيبدأ من شمال المدينة حتى جنوبها، وسيلتهم آلاف الأراضي المقدسية، لإقامة جدر ومسارات جديدة لتحميل القطار وحافلات المستوطنين، بالإضافة إلى إقامة بعض المنشآت العسكرية التابعة لجيش الاحتلال.
مسارات تهويدية
وتحاول سلطات الاحتلال تغيير المنظر الطبيعي، والنمط الحياتي في القدس، بحيث تعمل على عدة مسارات تشمل تفريغ وتهجير سكانها، وعدم منحهم التراخيص، وكذلك تغيير الشكل العام والطراز المعماري للمدينة. وفق الناشط المقدسي
ويشير إلى أن حكومة الاحتلال تُركز في مشاريعها على الجزء الشرقي من القدس، وتُصمم على محاولة تغيير الواقع، كجزء من استكمال مخططها للسيطرة على المدينة، وتوسيع ما يسمى البنية التحتية ومحاور الطرق والشوارع، ومحيط التجمعات والأحياء المقدسية، بهدف جلب مزيد من المستوطنين للعيش فيها.
ويوضح أن الخطة الاحتلالية تتضمن أيضًا توسعة "الطريق الأمريكي" ليصل إلى مناطق أخرى للبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك.
ولا تتوقف بلدية الاحتلال عند ذلك، بل شملت خطتها رصد ميزانية بقيمة 27.5 مليون شيكل لشق طريق يربط بين مباني الجامعة العبرية في أراضي العيسوية شمال شرقي القدس ومباني الجامعة غربي المدينة في منطقة "جفعات رام"، بالتوازي مع السكة الحديدية للقطار الخفيف.
وتنص على رصد ميزانية 53 مليون شيقل لشق الشارع "الالتفافي الأميركي"، في مساره من بلدة جبل المكبر حتى مفرق عين اللوزة في بلدة سلوان.
ويتضمن المشروع تحديث وتوسيع الطريق الحالي ومنحدراته، وبناء الجدران الاستنادية التي تفصل الشارع عن الأحياء التي سيمر بها، وبناء الأرصفة، واستبدال وتطوير مشاريع البنية التحتية القائمة، من شبكات المياه، والصرف الصحي، والري والخزانات الأرضية.
ورصدت بلدية الاحتلال ميزانية بقيمة 17.1 مليون شيكل لتخطيط وتوسيع وتحديث الطريق في بيت حنينا شمالًا باتجاه غرب المدينة، بهدف تسهيل تنقل وحركة المستوطنين من مستوطنتي "بزغات زئيف" و"النبي يعقوب".
آثار كارثية
وحاصرت سلطات الاحتلال الفلسطينيين في مساحة لا تقل عن 13% من القدس، وسيطرت على ما تبقى لصالح مشاريعها التهويدية والاستيطانية، ولا تزال تسعى لتقليص تلك المساحة بشكل كبير.
ولا تمنح بلدية الاحتلال المقدسيين أي مجال للبناء والتطور، رغم قيامها بتوسيع الشوارع والطرق الاستيطانية على حساب أراضيهم وممتلكاتهم. كما يوضح أبو دياب
وللخطة الإسرائيلية- وفقًا للمختص في شؤون القدس- مخاطر وآثار مدمرة وكارثية على المقدسيين، تستهدفهم وجودهم، وزيادة التضييق والضغط عليهم.
ويضيف أن" هذه الخطة لها أولوية قُصوى لدى واضعي السياسة في إسرائيل، الذي يولون المشاريع الاستيطانية في القدس أهمية بالغة، لذلك من المقرر أن يبدأ العمل قريبًا في تنفيذها".
في المقابل، يرى أبو دياب أن هناك غياب حقيقي لأي حراك فلسطيني عربي ودولي جدي وفعلي على أرض الواقع لمواجهة تصاعد وتيرة الاستيطان في القدس، والعمل على وقفه ومواجهته، وكل ما هنالك لا يتعدى ردات فعل "لا تسمن ولا تغني من جوع".
ويؤكد أن الاحتلال قطع ولا يزال شوطًا كبيرًا في مخططه لتهويد القدس، دون أي معيقات محلية أو دولية، وهذا مثير للاستهجان والشك.