على مساحة 840 دونمًا من أراضي تلال جنوب غربي القدس المحتلة ذات الطبيعة الخضراء، تعتزم بلدية الاحتلال الإسرائيلي ووزارة البناء والإسكان تنفيذ خطة جديدة لبناء 5250 وحدة استيطانية، بهدف مسح ما يسمى بـ"الخط الأخضر" الفاصل بين الأراضي المحتلة عامي 1948 و1967.
وتستهدف الخطة المنطقة الواقعة عند "الخط الاخضر"، أي (الأراضي الواقعة بين حدود القدس الغربية والشرقية، وجنوب الضفة الغربية المحتلة).
وتتميز تلال القدس بالطبيعة الخلابة والأشجار الحرجية المثمرة، وكثرة الينابيع وعيون المياه العذبة، وتمتاز بخصوبة أراضيها ووفرة مياهها، وتعد من أجل المناطق المقدسية.
ولإقامة المشروع الاستيطاني، فإن مئات الأشجار الحرجية في تلال القدس بات يتهددها خطر الاقتلاع والتدمير بأي لحظة، لذلك من المقرر أن تنظم المنظمات البيئة والزراعية الداعية للحفاظ على الغابة، في 8 شباط/ فبراير الجاري، مظاهرة احتجاجية، رفضًا لاقتلاعها.
تغيير وتشويه
وتشكل وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية أداة للاحتلال للاستيلاء على أراضي وعقارات المقدسيين، واستخدامها لصالح الاستيطان والمستوطنين، بهدف تغيير التركيبة السكانية والجغرافية في القدس. كما يقول الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب لوكالة "صفا".
ويوضح أن المخطط الإسرائيلي الجديد يستهدف مناطق جنوب غربي القدس، التي تبدأ من أراضي قرى عين كارم، الولجة، صطاف، والمالحة، والتي هجر الاحتلال سكانها عام 1948، وأقام على جزء من أراضي المالحة حديقة حيوانات ضخمة.
ويشير إلى أن الخطة تم طرحها عام 2018، لكنها واجهت مُعيقات كثيرة، وجرى تقديم اعتراضات عليها من مؤسسات خضراء تعني بالبيئة ونشطاء آخرين، إلا أنه تم رفضها، وتعطلت الخطة حتى تم إقرارها الأسبوع الماضي وجاء دور تنفيذها.
وخلال جلسة استماع عُقدت بتاريخ 21 كانون الثاني الماضي، رفضت "اللجنة الفرعية للاستئناف التابعة لمجلس التخطيط والبناء" الإسرائيلي معظم الاعتراضات المتعلقة بالأضرار التي لحقت بالينابيع.
وتشمل الخطة الإسرائيلية التي خصص الاحتلال لها 2.8 مليار شيكل، إنشاء حي استيطاني جديد يضم مبان ضخمة من 5 -12 طابقًا، قرب حديقة الحيوانات جنوب القدس، وإقامة 300 غرفة فندقية ومواقع تجارية، ووحدات استيطانية.
وبحسب أبو دياب، فإن الحي الاستيطاني سيقام على جزء من أراضي عين كارم ووادي الصرار وقرية صطاف المهجرة، وعلى أراضي الولجة غربي بيت لحم.
ويهدف المخطط إلى طمس ومسح ما يُسمى "الخط الأخضر" ما بين أراضي (1948-1967)، حتى لا يكون هناك إمكانية لمعرفته، وتشويه كل المعالم الفلسطينية في تلك المنطقة، بالإضافة إلى زيادة عدد المستوطنين، ومحاصرة التجمعات العربية، بما يهدد الوجود الفلسطيني فيها.
خارطة جديدة
ويؤكد الباحث المقدسي أن سلطات الاحتلال تريد تشكيل حزام استيطاني يلتف حول القدس، لإطباق إحكامها وإغلاقها الكامل، ووصلها مع آلاف الوحدات الاستيطانية والأبراج السكنية العالية، والتي بدأ العمل على تنفيذها جنوبًا.
ويبين أن الاستيطان يُشكل أهم ركيزة أساسية في الفكر الصهيوني ولدى "إسرائيل"، لذلك تُسارع الخطى من أجل تنفيذ كل مخططاتها في المدينة المقدسة، وتعمل بوتيرة متسارعة لحسم قضيتها خلال العام الجاري.
ومنذ بداية العام 2022، وافق الاحتلال على 11 مخططًا استيطانيًا في مدينة القدس وحدودها مع الضفة الغربية، -بيت لحم وبيت جالا وغيرها-.
ويلفت إلى أن الاحتلال يقيد حركة تنقل الفلسطينيين ما بين مدينة القدس، ومنطقة غربي بيت لحم وبيت جالا جنوب الضفة الغربية إلى الناحية الجنوبية للمدينة عبر حاجز عسكري يصل بين تلك المناطق.
ويعمل الاحتلال- كما يوضح أبو دياب- على خلق واقع جيوسياسي جديد على الأرض يصعب تغييره في أي مفاوضات مستقبلية حول القدس، وأيضًا يخطط لتهويد كامل المدينة وتغيير واقعها وخارطتها .
ويقول إن سلطات الاحتلال بدأت ترسم خارطة جديدة وحدود رسمية للمدينة المقدسة، كنوع من تجسيد ما يسمى بـ "القدس الموحدة"، وربما سيكون المشروع الجديد آخر ما سيتم إقراره وتنفيذه جنوبي المدينة ووصلها بمباني استيطانية مع غربها.
وما يشير إلى خطورة تلك المخططات الجديدة، حسب أبو دياب، أن كلها تشمل إقامة مباني ضخمة تصل إلى 12-15 طابقًا، تستهدف تغيير الطراز المعماري والحضاري بالقدس.
وفي المقابل، يضيف "رُغم أن الاحتلال ماضٍ في سياسته الاستيطانية وفرض الأمر الواقع بالقدس وجعلها مدينة طاردة للفلسطينيين، إلا أننا لا نرى أي ردة فعل حقيقية إزاء ما يجري، كلها مجرد أقوال وتنديدات، فالوضع بغاية بالخطورة".