صعد المستوطنون بحماية من شرطة الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة اعتداءاتهم على أهالي حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، كوسيلة عقابية للتنغيص على حياتهم، والضغط عليهم لدفعهم للهجرة وترك منازلهم المهددة بالإخلاء، بعدما خسروا القضية أمام الرأي العام، وفي المحاكم الإسرائيلية.
ويوميًا، يتعرض المقدسيون ومنازلهم في الحي لاقتحامات استفزازية واعتداءات ممنهجة من المستوطنين وشرطة الاحتلال، وعمليات اعتقال وملاحقة للأطفال والنساء والشبان، ناهيك عن عمليات التفتيش والتنكيل بهم وتصويرهم، في محاولة للتضييق عليهم ودفعهم للهجرة والرحيل.
والاثنين، اقتحم عضو الكنيست إيتمار بن غفير، برفقة المستوطن سمور كينج، ونائب رئيس بلدية الاحتلال أرييه كينج، وعضو جمعية "نحلات شمعون" الاستيطانية، وممثلها في المحاكم "تساحي مامو"، حي الشيخ جراح، بحراسة من عناصر الشرطة والوحدات الخاصة.
استفزاز وتنكيل
وخلال الاقتحام، يتعمد المستوطنون والمتطرف بن غفير استفزاز السكان المقدسيين، عبر توجيه الشتائم والألفاظ النابية لهم، ومطالبتهم بالخروج من الحي، وسط تصدي الأهالي بالهتافات الداعمة للحي، ومطالبة بطرد المستوطنين.
وأكثر ما استفز وأغاظ المستوطنين وجنود الاحتلال، رفع الناشط المقدسي محمد أبو الحمص العلم الفلسطيني أثناء احتجاجه على الاقتحام، قائلًا: "هذا علم فلسطين، نحن أسياد الأرض هنا، فهذه أرضنا"، ما دفع عناصر الشرطة لدفعه بقوة والاعتداء عليه.
وبهذا الصدد، قالت وحدات حي الشيخ جراح: إن "العلم الفلسطيني بألوانه الأربعة يستفز كافة الجنود والمستوطنين، فيصادرونه ويعتدون على حامله.. بينما السلاح المخبأ في منازل المستوطنين، وتهديداتهم لنا بالطرد، والاعتداء علينا لفظيًا وجسديًا لا يُحرك أيًا من مشاعرهم أو قانونهم".
وبعد هذا الاقتحام الاستفزازي، شرع المستوطنون بنصب كاميرات مراقبة موجهة نحو منازل الفلسطينيين في الشيخ جراح، ما أثار احتجاجهم وغضبهم، كونها تنتهك خصوصياتهم وتراقب تحركاتهم وتزيد معاناتهم التي لا تنتهي.
وذكرت وحدات الشيخ جراح أن المستوطنين عمدوا إلى تثبيت كاميرات مراقبة موجهة نحو منازلنا بالحي، دون مراعاة لأي خصوصية، مشددة على أن" حياة المواطنين أصبحت مكشوفة أمام كاميراتهم، وخصوصيتنا معدومة".
وأوضحت أن عراب التحريض الدموي ضد الفلسطينيين المستوطن بن غفير يهدد المواطنين الفلسطينيين أمام الجميع، قائلًا: "هذه البيوت جميعها لي وسآخذها!!".
وأضافت "كالعادة هذا الهجوم كان برفقة شرطة الاحتلال وبحمايتهم، تأتي هذه الزيارات المتكررة لدعم المستوطنين المسلحين وحثهم على السرقة والاعتداء على الأهالي العزل".
وتتساءل "أين القانون الذين يتغنون به أمام كل العالم!، هل باتت العنصرية والإرهاب والتطهير العرقي أفعال مشروعة باسم القانون!، وهل يسمح لأعضاء الكنيست الاسرائيليين المتطرفين امثال بن غفير بدعم العصابات وقيادة الإرهاب دون محاسبة؟".
هجمة شرسة
الناشط المقدسي صالح ذياب يقول لوكالة "صفا" إن أهالي الشيخ جراح يتعرضون منذ رفضهم لقرار التسوية الإسرائيلي في نوفمبر الماضي، لهجمة شرسة كبيرة تشارك فيها بلدية الاحتلال والشرطة والمستوطنين، بهدف الضغط عليهم ودفعهم للهجرة.
ويوضح أن هذه الهجمة تطال منازل المقدسيين، وأراضيهم وممتلكاتهم، بالإضافة إلى الاعتقالات والإبعادات عن الحي بدون أي سبب، واعتداءات المستوطنين المسلحين، والتي تتصاعد يوميًا، وتستهدف كل شيء داخل الحي بدون أي تمييز، بما فيها إطلاق النار على منازل السكان أمام أعين شرطة الاحتلال.
ولم تقتصر الاعتداءات العنصرية على ذلك، بل تُواصل بلدية الاحتلال إصدار قرارات بالإخلاء لعشرات العائلات المقدسية بالحي، تحت ذرائع مختلفة.
ويشير ذياب إلى أن ثلاثة منازل بالحي بات يتهددها خطر الإخلاء في 15 كانون ثان/ يناير الجاري، لكن نأمل أن يتم وقف القرار أو تأجيله.
ويبين أن المتطرف بن غفير ومجموعة من المستوطنين بحراسة شرطة الاحتلال كانوا اقتحموا المنطقة الغربية من الشيخ جراح، وحاولوا مداهمة منزل عائلة سالم المهددة بالإخلاء، واستفزازها، رغم أنهم خسروا القضية، وتم تجميد قرار الإخلاء، إلا أن الأهالي تصدوا لهم.
ويضيف الناشط المقدسي أن "هذا الاقتحام جاء دعمًا لمستوطنين استولوا على منازل مقدسيين في المنطقة قبل سنوات".
ويصف الأوضاع في الشيخ جراح بالخطيرة والكارثية، نتيجة تصاعد اعتداءات المستوطنين وشرطة الاحتلال على السكان، ومحاولة طردهم وتهجيرهم بالقوة، دون أي حراك فلسطيني وعربي حقيقي وجدي لوقف هذه الانتهاكات.
حياة لا تُطاق
أما المقدسي عبد الصباغ فيقول لوكالة "صفا": إن" المستوطنين يُحاولون يوميًا استفزازنا، والاعتداء علينا داخل الحي، وافتعال المشاكل لأجل اتهام الشبان والفتية بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة عليهم، ومن ثم اعتقالهم".
ويضيف "نحن نتعرض لعمليات إذلال وتنكيل وإهانة وتفتيش أثناء خروجنا ودخولنا إلى الحي، في وقت يمنع التضامن معنا ودخول المتضامنين إلى الحي".
ويتابع "الحياة باتت صعبة للغاية، ولا تطاق بسبب تصاعد اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه اليومية، ومواصلة محاولات تهجيرنا وإخلاءنا من منازلنا وأراضينا بطريقة همجية".
وما زال شبح التهجير والإخلاء يتهدد 500 مقدسي يقطنون في 28 منزلًا بالحي على أيدي جمعيات استيطانية تدعي ملكيتها "للأرض التي أقيمت عليها المنازل الفلسطينية، ما قبل العام 1948"، وهو ادعاء يدحضه السكان.
ويتساءل أهالي الشيخ جراح "إلى متى سننتظر؟، إلى متى سنعيش في هذا القلق؟، محكمة الاحتلال العليا تماطل باتخاذ قرار يحسم قضيتنا".
ويقول الأهالي: "مر 71 يومًا منذ تسلمينا قرار الرفض للتسوية الظالمة التي تحرمنا من منازلنا وحقنا وتجعلنا مستأجرين محميين لدى الجمعيات الاستيطانية، ونحن ننتظر قرار المحكمة، والقلق يزيد.. آن الاوان لتنتهي نكبتنا، لنعيش بأمان مع عائلاتنا بدون شبح التهجير".