مع بداية العام 2022، صعدت بلدية الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة من عمليات هدم منازل المقدسيين ومنشآتهم، وتجريف أراضيهم ومصادرتها، في مسعى خطير لتفريغ المدينة من سكانها الأصليين، وقلب الحقائق الديمغرافية، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.
واستقبل المقدسيون العام الجديد بهجمة إسرائيلية واسعة وغير مسبوقة طالت عشرات المنازل والمنشآت في أحياء متفرقة من المدينة المقدسة، مستهدفة عيادة طبية تخدم نحو 21 ألف نسمة من سكان بلدة جبل المكبر، ناهيك عن هدم عدة منازل وتشريد أصحابها بالعراء والبرد القارس.
وآخر عمليات الهدم كان صباح الأربعاء، حينما هدمت جرافات بلدية الاحتلال منزلًا لعائلة حليسي في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، بحجة البناء بدون ترخيص.
ولم تكتف بلدية الاحتلال بذلك، بل أجبرت عدة مقدسيين على هدم منازلهم ومنشآتهم التجارية قسريًا، بعد التهديد بفرض غرامات باهظة، ودفع أجرة الهدم لطواقم واليات بلدية الاحتلال المرافقة لها.
سيادة الاحتلال
مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس أحمد الرويضي يقول لوكالة "صفا" إن بلدية الاحتلال في القدس لديها توجه استيطاني، لأنه في الوقت الذي تهدم فيه منازل المقدسيين يتم الإعلان عن بناء أحياء استيطانية جديدة وبالتالي، فإن الاستيطان والهدم وجهان لعملة واحدة.
ويوضح أن الهدف من عمليات هدم المنازل السيطرة على الأرض وقلب الحقائق الديمغرافية من ناحية أخرى، وفرض السيادة الإسرائيلية في القدس، وبالتالي إنهاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية.
ويشير إلى أن هناك 22 ألف منزل مهددًا بالهدم في المدينة المقدسة، بالإضافة إلى أحياء كاملة، مثل حي البستان في بلدة سلوان 124 منزلًا، وحي عين اللوزة حوالي 40 منزلًا، لافتًا إلى أن هناك 5600 منزل في سلوان لوحدها مهددين بالهدم.
ويضيف "منذ بداية العام، ونحن نشهد عمليات هدم بالقدس، هذه هي البداية، لأن هناك تهديدات من بلدية الاحتلال للسكان المقدسيين بتصعيد سياسة الهدم بشكل أكبر، في المقابل ترفض البلدية المخططات الهيكلية المقدمة من السكان".
ويلفت إلى أن "اللجنة اللوائية للبناء والتنظيم" في القدس هي مجموعة مستوطنين يريدون تنفيذ برنامج سياسي ألا وهو إنهاء الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة.
وبحسب الرويضي، فإن كل المؤشرات والرسائل التي وصلت للمحامين والمخططين وأصحاب المنازل المهددة بالهدم، وأحياء البستان ووادي ياصول وعين اللوزة واضحة تُدلل على أننا أمام عمليات هدم قادمة في القدس خلال العام الجاري.
وبالتالي، فإن هناك خطر بات يتهدد حياة المقدسيين، خاصة أن عمليات الهدم لها تأثيرات ليس مادية فقط، بل نفسية واجتماعية على العائلات المقدسية كافة. كما يبين الرويضي
خطوات عملية
وحول وجود خطوات عملية على الأرض لوقف هذه الهجمة الإسرائيلية، يقول الرويضي إن هناك اجتماعات للقوى والفعاليات والمؤسسات والعائلات عُقدت في سلوان خلال اليومين الماضيين، وتم الاتفاق على برنامج تصعيدي لحماية منازلهم، سواء سياسيًا أو قانونيًا أو من خلال الحراك الشعبي.
ويرى أن العمل الشعبي ضد هدم المنازل يشكل رافعة للمقدسيين في ظل التجربة، لأن الاحتلال واضح أنه يريد أن ينفذ جريمته في المدينة بدون أي ردة فعل.
وعلى الصعيد الدولي، يوضح الرويضي أن هناك اتصالات مع أطراف ومؤسسات دولية وقناصل دول أجنبية في القدس وهناك تفهم لقضية الهدم، ووعودات بالضغط على "إسرائيل" لوقف سياسة الهدم.
ويضيف "لكن واضح أن المستوطنين هم الذين يتحكمون في بلدية الاحتلال وأصحاب القرار، لأنهم ينفذون برنامج على الأرض لمنع حل الدولتين، ولفرض الأمر الواقع في القدس، وتعزيز السيادة الإسرائيلية عليها، والسيطرة على المسجد الأقصى، والمنطقة المحيطة في البلدة القديمة والشيخ جراح ووادي الجوز".
تطهير عرقي
وأما المحامي المقدسي مدحت ديبة، فيقول لوكالة ً"صفا" إن بلدية الاحتلال بدأت منذ انتهاء العام 2021، بتنفيذ أعمال هدم وإصدار قرارات هدم إدارية يومية بحق منازل في القدس، ما يدلل على أن هناك سياسة تصعيدية تنوي تنفيذها خلال العام 2022 الجاري.
ويحذر من خطورة هذه السياسة، كونها تهدف إلى التضييق على المقدسيين، وردعهم، وجعل أوضاعهم الاقتصادية أكثر سوءًا، بالإضافة إلى إلهاهم عن القضايا والأحداث الأساسية الأهم وهو المسجد الأقصى.
ويشير إلى أن سياسة الهدم هذه لم تُجابه بأي موقف دولي، فكل يوم نشهد عمليات تهجير وتشريد وهدم للمنازل في المدينة المقدسة، وذلك في مخالفة واضحة للقانون الدولي.
ويؤكد المحامي ديبة على ضرورة نقل ملف الهدم إلى المؤسسات والمحاكم الدولية لتكون لها كلمة الفصل في ذلك.
ويشدد على أن بلدية الاحتلال تسعى لتنفيذ جميع أوامر الهدم التي تم المصادقة عليها من قبل المحاكم الإسرائيلية، وتم رفض التماسات الأهالي بشأنها، سواء كان في سلوان أو وادي ياصول أو مخيم شعفاط وبيت حنينا وغيرها.
وعن آليات مواجهة سياسة الهدم، يقول ديبة :"هناك خطوات يتم من خلالها تقديم طلبات لمحاكم الاحتلال لتعطيل تنفيذ أوامر الهدم قدر الإمكان، لكنها محدودة جدًا، والأهم أن يتم تفعيل المسار الدولي عبر تحويل هذه القضية للقضاء الدولي".
ويضيف "قد يلجأ الاحتلال خلال هذا العام لتطهير عرقي شامل في القدس، عبر هدم عشرات المنازل، وقد يلجأ أيضًا لهدم أحياء بأكملها، لكن تدريجيًا حتى يتجنب ردة فعل الرأي العام العالمي".