"المدرسة التنكزية" إحدى أعرق وأجمل المدارس التاريخية داخل المسجد الأقصى المبارك، تقع بين باب السلسلة شمالًا وساحة البراق جنوبًا، كانت تُستخدم لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية داخل المسجد، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي حولها إلى مركز عسكري لما يسمى بـ"حرس الحدود".
بُنيت المدرسة في العهد المملوكي عام 1331، على يد سيف الدين تنكز الناصري، يقع جزء منها داخل الرواق الغربي للمسجد الأقصى وجزء آخر خارجه، وفي عهد السلطان المملوكي قايتباي اتُخذت مقرًا للقضاء والحكم.
وتحولت في العهد العثماني إلى محكمة القدس الشرعية حتى أضحت اليوم تُعرف باسم المحكمة، وبقيت كذلك حتى أوائل عهد الانتداب البريطاني فاتخذها المجلس الإسلامي الأعلى دارًا للسكن، ثم عادت بعد ذلك مدرسة لتعليم الفقه الإسلامي.
نقطة مراقبة
وفي حزيران/ يونيو عام 1969، وضعت سلطات الاحتلال يدها على المدرسة التنكزية، وطردت طلاب العلم منها، ثم حولتها إلى موقع عسكري لما يسمى "شرطة حرس الحدود"، لمراقبة المسجد الأقصى والمصلين بداخله، ولقمع الأحداث والمظاهرات المنددة بالاحتلال وسياساته، كما يقول مدير مركز معلومات الأقصى رضوان عمرو.
وأجرت سلطات الاحتلال عدة حفريات تحتها، تحولت إلى أنفاق، بحيث تتصل هذه الحفريات معًا فيما أسماه اليهود نفق "الحشمونائيم" الذي افتتح عام 1996، ويمتد بدايةً من ساحة البراق جنوبًا بطول السور الغربي للأقصى، وصولًا إلى المدرسة العمرية شمالًا، وتتفرع منه أنفاق أخرى على جانبيه.
وفي مارس/آذار 2006، افتتح رئيس الكيان الإسرائيلي آنذاك موشيه كتساف كنيسًا يهوديًا في أحد هذه الأنفاق الواقعة أسفل المدرسة التنكزية والملاصق للجدار الغربي للمسجد الأقصى.
ويوضح عمرو في حديثه لوكالة "صفا"، أن شرطة الاحتلال نصبت في عام 1996، أول كاميرا متحركة فوق مبنى المدرسة التنكزية لمراقبة المسجد الأقصى.
وقبل عدة أيام، شرعت سلطات الاحتلال بإنشاء مظلة خشبية فوق المدرسة، لاستخدامها كنقطة مراقبة للأقصى، وجلوس الجنود تحتها، باعتبار أنها مطلة على المسجد المبارك وساحة البراق.
استهداف متواصل
ويضيف أن الاحتلال يستهدف المدرسة التنكزية منذ سنوات طويلة، كونها تقع في موقع استراتيجي حساس ومهم، بهدف تهويدها وإضفاء الطابع اليهودي عليها، في إطار مساعيه المستمرة للسيطرة على الأقصى وحجب الرؤية البصرية عنه.
ويلفت إلى أن نوافذ المدرسة تستخدمها شرطة الاحتلال في استهداف الفلسطينيين والمرابطين وإطلاق النار عليهم، ولقمع الأحداث والهبات الشعبية في القدس والأقصى.
ويضم الطابق الثالث للمدرسة كنيسًا يهوديًا داخل ساحات الأقصى، يستخدمه بعض المستوطنين والحاخامات اليهود لأداء صلواتهم التلمودية بداخله.
ويشير عمرو إلى أن محاكم الاحتلال تعتمد على كاميرات المراقبة المثبتة فوق المدرسة التنكزية لإدانة فتية فلسطينيين غير ملثمين من بلدة العيسوية، بتهمة "إلقاء الحجارة" تجاه الجنود في ساحات الأقصى خلال الأشهر الماضية.
وتُغطي معظم كاميرات المراقبة ساحات الأقصى وجميع أسواره وأبوابه، وهي مرتبطة بمركز تحكم وسيطرة رئيس يُدعى (مبات ٢٠٠٠) في مركز تحقيق "القشلة" بالقدس القديمة، وتستخدمها شرطة ومخابرات الاحتلال لتعقب المصلين داخل المسجد، وتنفيذ الاعتقالات في الساحات أو عند البوابات.
وخلال العشر سنوات الماضية، يلفت عمرو إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت مئات المرابطين والمصلين من داخل الأقصى أُرفقت بتسجيلات كاميرات المراقبة المثبتة فوق مبنى المدرسة التنكزية.
محاصرة الأقصى
ويبين أن كاميرات المراقبة المثبتة فوق المدرسة التنكزية مربوطة بمركز التحكم التكنولوجي (مبات 2000)، الذي يراقب أزقة وبوابات البلدة القديمة وساحات الأقصى وأبوابه على مدار الساعة بواسطة 2000 كاميرا مراقبة.
ويضيف أن الاحتلال أقام سياجًا إلكترونيًا حول الرواق الشمالي والغربي للأقصى، ضمن إجراءاته لمحاصرة المسجد المبارك، والتضييق على المصلين والمرابطين فيه، وفي محاولة لإثبات سيطرته الأمنية على كل حركة بداخله.
وواصل الاحتلال تطوير منظومة الكاميرات وزيادة عددها حتى بلغت اليوم 2000 كاميرا حديثة ثابتة ومتحركة داخل أسوار القدس القديمة وحول الأقصى، إضافة إلى مستشعرات إلكترونية تستخدم في تشخيص المعادن والتعرف على هويات الفلسطينيين ووجوههم.
ويؤكد مدير مركز معلومات الأقصى أن استهداف الاحتلال للمدرسة التنكزية يشكل اعتداءً على الآثار الإسلامية والعربية في المدينة المقدسة، وطمس معالمها وتهويدها.
ويشدد على أنه رغم الانتشار الهائل لكاميرات المراقبة، إلا أنها لم تستطع إخماد أي هبات شعبية في مدينة القدس لمواجهة الاحتلال وإجراءاته العنصرية.