"أريد الشيك المالي كي أسدد به إيجار المنزل، وأحفظ كرامة عائلتي"، صرخات مدوية أطلقتها السيدة لينا البنا أمام مقر الأمم المتحدة غرب مدينة غزة علّها تجد صدى يلبي مناشدتها، ويوفّر لها ولأطفالها الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
صرخات البنا كانت الأكثر إيلامًا بين عشرات الصرخات التي أطلقتها عشرات الأسر المحتاجة أمام مقر الأمم المتحدة، وسط سخط كبير أثار تلك العائلات جراء تأخر صرف "شيكات الشؤون" بشكل غير مسبوق.
وتراجع صرف المخصصات المالية للأسر الفقيرة خلال الأعوام الأخيرة، أشدها قسوةً خلال العام الجاري، فلم تصرف السلطة الفلسطينية لنحو 85 ألف أسرة محتاجة في قطاع غزة سوى دفعة واحدة فقط خلال شهر مايو الماضي.
وبحسب برنامج الحماية الاجتماعية الذي تقوم عليه وزارة التنمية الاجتماعية، فإنه يصرف 4 دفعات مالية للأسر الفقيرة.
ويبلغ تعداد هذه الأسر في الضفة المحتلة وقطاع غزة نحو 105 آلاف أسرة محتاجة.
"أغيثونا"
وتقول المواطنة البنا في حديثها لمراسل صفا "أعاني من مرض السكر ولدي 3 أطفال، وزوجي بالسجن لعجزه عن دفع إيجار المنزل المتأخر لـ5 أشهر، حياتنا تكاد معدومة، أرجوكم أغيثونا من القهر والمعاناة التي نحياها".
وتطالب بإعادة صرف "شيكات الشؤون" حتى تعيش مع عائلتها "الحد الأدنى" من الحياة الكريمة، مشيرةً إلى انعدام مصادر الدخل لها بعد حبس زوجها، مؤكدة تراكم الديون على عائلتها.
وتضيف "لا نريد أحدًا يصرف علينا، نريد من المسؤولين يدفعوا إيجار المنزل، فنحن معرضون للطرد منه، بعد تأخر دفع الإيجار للشهر 4 على التوالي".
وبصرخات غاضبة ضد المسؤولين لم يصمت المواطن وليد أبو يوسف عن العجز والقهر الذي وصلت إليه عائلته لتأخر صرف "شيكات الشؤون".
ويوضح أبو يوسف الذي يعاني وزوجته العديد من الأمراض ل"صفا" أنه يعيل 6 أبناء.
ويتساءل بغضب "إلى أي حالٍ أوصلنا المسؤولون إليه، هل يريدون قتلنا ونحن على قيد الحياة، لماذا يتاجرون بمعاناتنا؟، ألا يوجد مسؤول راشد لديه تقوى الله؟".
ويضيف "لدي التزامات فاقت عمري، وأنا وزوجتي مرضى، ولنا طلبة مدارس، ألا يرون حالنا؟، أين الحقوقيين ومؤسسات حقوق الإنسان مما يحدث لنا من ظلم وقهر يطالنا؟".
هذا حقنا
وتؤكد المسنة سهيلة أبو الريش أن مخصصات الشؤون الاجتماعية هي حق للأسر الفقيرة ولا يحق لأحد أن يمن عليهم بها، مشددةً على ضرورة أن يؤدي المسؤولون واجبهم الإنساني والشرعي تجاه شعبهم وصمود الأسر الفقيرة.
وتوضح أبو الريش في حديثها لمراسل صفا أن لديها 7 أبناء، 4 منهم مصابون جراء الاحتلال الإسرائيلي، وهي أرملة، قائلة "عليهم أن يتقوا الله فينا، فنحن لسنا متسولين".
ولم يختلف المسن فياض السيلاوي كثيرًا عن معاناة أبو الريش، فهو الآخر يعاني من وضع مأساوي صعب للغاية، حيث يعاني من مرض السرطان، ولديه 7 أبناء، ويعجز عن توفير الطعام لأبنائه.
ويقول السيلاوي في حديثه لمراسل صفا " من 7 أشهر لم استلم أي شيك ووضع عائلتي صعب للغاية، "بتنا ننتظر الصدقة من هنا وهناك، في وقت لنا حقوق ومخصصات حرمتنا إيّاها وزارة التنمية الاجتماعية".
أما الأرملة أم رائد المقوسي التي غلبتها الدموع وهي تناشد المسؤولين بصرف المخصصات المالية لها ولأبنائها الـ9.
وتوضح المقوسي في حديثها لمراسل "صفا" أن حياتها باتت جحيمًا "لا أستطيع شراء الدواء، أصبحنا محرومين من الكثير من الطعام ولا نستطيع شراؤه، لا نستطيع التحمّل أكثر من ذلك".
وتضيف "على المسؤولين التحرك لإغاثتنا، كفى قهرًا ومعاناة؛ ألا يدرك المسؤولون أنهم وظفوا للقيام بواجبهم تجاه الأسر الفقيرة؟، حسبنا الله ونعم الوكيل".
ظلم ممنهج
ويقول المتحدث باسم الهيئة العليا للمطالبة بحقوق فقراء ومنتفعي "الشؤون الاجتماعية" صبحي المغربي إن "سلطة رام الله والوزير أحمد المجدلاني يمارسون ظُلمًا ممنهجًا بسياستهم نحو الأسر الفقيرة كورقة ضغط لتكريس الفقر والجوع على أهل غزة".
ويوضح المغربي أن حرمان الأسر الفقيرة منذ أربع سنوات من مخصصاتها أدى إلى نهب 7مخصصات لهذه الفئات الضعيفة، "ونحن على أعتاب انتهاء عام آخر لم يصرف أي مخصص من مخصصات الأربعة سنويًّا".
ويطالب وزير التنمية الاجتماعية أحمد المجدلاني بالقيام نحو واجباته شرعية أو تقديم استقالته من منصبه؛ "لأنه يقوم بتجويع أبناء شعبه ويهدر الأموال، ويصف مستفيدي الشؤون الاجتماعية بأنهم متسولين ومنفلتين".
ويشدد المغربي على أن مخصصات الأسر الفقيرة واجب شرعي وحقوقي كفلتها الأنظمة الدولية وحقوق الانسان، "وهي ليست منّةً من أحد ولا مكرمة من أي أحد".
ويدعو المغربي كل شرفاء العالم العربي والإسلامي والدولي وحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية للوقوف بجانب الاسر الفقيرة المحتاجة، مطالبًا باسترجاع كامل حقوق ومخصصات الأسر الفقيرة.