ما تزال "جماعات الهيكل" المتطرفة تُصر على تنفيذ مخططاتها وأجندتها ضد المسجد الأقصى المبارك، متخذة خطوات متسارعة وغير مسبوقة لأجل تهويده وتمهيدًا لهدمه وبناء "الهيكل الثالث" المزعوم مكانه، باعتباره هدفًا استراتيجيًا لها.
وكان أبرز هذه الخطوات ما عرضته تلك الجماعات خلال لقاء تشاوري موسع عقدته مع "وزير الشؤون الدينية الإسرائيلي" "ماتان كاهانا"، الخميس، فتح المسجد الأقصى لليهود خلال شهر رمضان المبارك دون إغلاقه في أي يوم، ما يمهد لاحتفال المتطرفين بـ "عيد الفصح العبري" داخل المسجد في الأسبوع الثالث من رمضان.
واقترحت منظمة "بيدينو" المتطرفة ومديرها تومي نيساني، أيضًا، زيادة عدد أبواب الأقصى المخصصة للاقتحامات الإسرائيلية، وعينها على بابي السلسلة غربًا والأسباط شمالًا.
وعلاوة على ذلك، طلبت إزالة اللافتة التي وضعتها الحاخامية الرسمية، والتي تثبّت موقفها التقليدي الذي يحظر دخول اليهود للأقصى "لحين تحقيق الشروط اللازمة"، بالإضافة إلى تعديل "قانون الأماكن المقدسة" الإسرائيلي ليشمل الأقصى، باعتباره "معلمًا دينيًا يهوديًا"، إلى جانب حائط البراق.
وقالت المنظمة المتطرفة: إن" الوزير كاهانا تفهم ذلك ووعد بدراسته مع أقطاب تحالفه والاستجابة للطلب"، مضيفة أن مقترحاتها التي تبلغ 13 في هذه الجلسة، تحقق جزء كبير منها سابقًا، وهي تتابع تحقيق الباقي خلال الجلسات الماراثونية مع الوزراء المعنيين بترسيخ الضم والسيطرة الفعلية على المسجد".
أما منظمة "نساء الهيكل" ومديرتها رينا أريئيل، فقد طالبت بزيادة أوقات الاقتحامات خلال فترة ما بعد الظهر، وإغلاق الأقصى أمام المسلمين في الأعياد اليهودية الكبيرة، وهو ما حاولت حكومة نتنياهو فعله في ٢٠١٥ وأفشلته "هبة السكاكين".
وجددت أيضًا، المطالبة ببحث إمكانية فتح الأقصى للاقتحامات في أيام السبت، وطالبت بتغيير اسم باب المغاربة بشكل رسمي إلى "بوابة هليل" وتوسعته .
وتأتي هذه الخطوات المتسارعة لترجمة توصيات مؤتمر "جماعات الهيكل" الذي عُقد في ٤-١١-٢٠٢١ تحت عنوان "مضاعفة أعداد اليهود في الأقصى"، وكانت باكورة نتائجه قرار "لجنة التعليم في الكنيست" بإلزام المدارس العبرية بإدراج الأقصى ضمن جولاتها التعليمية للتلاميذ اليهود.
حرب دينية
نائب مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس المحتلة الشيخ ناجح بكيرات يقول لوكالة "صفا"، إن الأخطر في قضية الأقصى هو قرار إلزام المدارس اليهودية باقتحام المسجد، ما يعني أن أعداد المقتحمين ستزداد بشكل كبير، ونوعيتهم ستكون جديدة من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية.
ويوضح أن القرار الإسرائيلي يشكل تعبئة للعنصرية ولتدنيس المسجد الأقصى، ويُدلل على أن الجماعات المتطرفة تريد أن تُحدث شيئًا جديدًا لم يكن مألوفًا في المسجد منذ الاحتلال حتى اليوم، وهذا أخطر قرار يُتخذ ضد الأقصى.
وبذلك، فإن الاقتحامات لم تعد روتينية تقتصر على كبار السن وبعض المتطرفين اليهود، بل أصبحت قضية زادت في العدد والنوعية في الوقت نفسه، تؤدي إلى تجمع خطير جدًا في قلب الأقصى، ما يعني عدم إفساح المجال للمسلمين داخل المسجد. كما يضيف بكيرات.
ويؤكد أن الجماعات المتطرفة تسعى بمخططاتها لتغيير القداسة الإسلامية وطبيعة المكان، ليصبح وكأنه "مكانًا دينيًا مقدسًا يهوديًا، وهيكلًا في نظر اليهود".
ويشير إلى أن هذه الجماعات ترفع من مستوى الاقتحامات وتُركز على نوعيتها ومقتحميها، خاصة في المناسبات الإسلامية، وذلك بهدف كسر شوكة الوجود الإسلامي داخل الأقصى سواء كان في رمضان أو الأعياد أو الاعتكاف وغيرها، لتحقيق ما تريده بأن" المسجد لم يعد شيء مقدس للمسلمين".
وبنظر بكيرات، فإن" الجماعات المتطرفة بهذه الاقتحامات، تُحضر لحرب دينية، ستجعل المنطقة تشتعل، لأن العالم العربي والإسلامي لن يقف مكتوف الأيدي حيال ذلك، كونه ينظر للأقصى باعتباره آية في كتاب الله، والاعتداء عليه اعتداء على كتاب الله".
ويتابع "ما تقوم به الجماعات المتطرفة وحكومة الاحتلال تتحمل المسؤولية الكاملة عما سيحدث بسبب هذه الاقتحامات، التي أعتقد أنها لن تمر، لأن تسخين الاقتحامات، ومحاولة كسر الأعياد والطقوس والخطوط الحمراء لا يمكن السكوت عليها لا في القدس، ولا فلسطين، ولا في العالم أجمع".
تغيير تاريخي
وحول إصرار "منظمات الهيكل" على تنفيذ أجندتها بحق المسجد الأقصى، يؤكد بكيرات أن تلك الجماعات تريد تحقيق ثلاثة مسارات.
أولًا: أن تبقى قضية الاقتحامات حية لدى الجمهور الإسرائيلي لتعبئة وتنشئة جيل عنصري جديد يقتحم المسجد، ويخرج عن الفتوى الحاخامية التي كانت تحرم "دخول اليهود للمسجد"، وبذلك تريد تغيير الرأي العام الإسرائيلي من أجل اقتحام الأقصى.
والمسار الثاني، وفق بكيرات، تريد أن تحدث تغييرًا تاريخيًا في مكانة الأقصى، بحيث تجعله مقسمًا مكانيًا، ومن ثم المطالبة بهدمه وإقامة "الهيكل الثالث" المزعوم على أنقاضه.
وأما المسار الثالث، فهي تريد إيصال رسالة للعالم العربي والإسلامي "بأن الأقصى لنا، ونحن متواجدون فيه نفعل ما نشاء بداخله، وعليكم آلا تطالبوا فيه، وأن تُروضوا الشارع المقدسي والعربي والإسلامي للقبول بما تقوم به الجماعات المتطرفة".
ولمواجهة تلك المخططات العنصرية، يقول بكيرات، يجب تعبئة جيل فلسطيني عربي إسلامي، قادر للدفاع عن المسجد الأقصى وحمايته، وتحريره من براثن الاحتلال، لأن "الأقصى أقصانا، وليس هيكلهم".
ويضيف "على الدوائر والوزارات والأنظمة الرسمية تعبئة جيل متكامل على مستوى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية، وتجنيد الإعلام والمؤسسات والجيوش والخبراء، لتحضير أنفسنا لمشروع تحرير المسجد الأقصى وإعادته للحاضنة العربية والإسلامية".
ويشدد على ضرورة الإصرار على أن" هذا المكان مقدس لا يقبل القسمة على اثنين، ولا التفاوض، ولا يقبل تغيير القداسة، وأن بوابة الأقصى الجنوبية غزة، والشرقية نهر الأردن، والشمالية رأس الناقورة وأم الرشراش، وعلى الاحتلال أن يفهم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون له ذرة تراب لا فوق الأقصى ولا تحته".
ويؤكد بكيرات على ضرورة فضح ممارسات "إسرائيل" ومحاكمتها ومحاصرتها دوليًا، وأن يتم تصنيف العالم، للجماعات اليهودية المتطرفة بأنها إرهابية، كونها تعتدي على حقنا الديني، وتقتل أطفالنا ونساءنا، وتقتلع الزيتون، وغيرها من الممارسات الإجرامية.