بعدما أخفت معالمها الإسلامية التاريخية ودمرت شواهد القبور وأحكمت سيطرتها عليها، حولت بلدية الاحتلال الإسرائيلي "مقبرة الشهداء" الملاصقة لمقبرة اليوسفية قرب منطقة باب الأسباط في القدس المحتلة إلى "حديقة توراتية" تنتظر افتتاحها أمام المستوطنين.
وبعد نحو أسبوعين من العمل المتواصل، انتهت طواقم بلدية الاحتلال وما تسمى "سلطة الطبيعة" من أعمال التجريف والتهويد داخل المقبرة، حتى أضحت "حديقة توراتية" تضم قبورًا قليلة متناثرة هناك وهناك، كجزء من مشروع استيطاني حول أسوار البلدة القديمة.
ولم تسلم قبور المسلمين وعظام الموتى من عمليات التحطيم والنبش، بل ظهرت خلال عمليات الحفر الإسرائيلية داخل المقبرة رفات وعظام عشرات الشهداء والموتى، في انتهاك صارخ لحرمتها.
وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، رفضت محكمة الاحتلال طلب لجنة رعاية المقابر الإسلامية بالأوقاف الإسلامية في القدس، منع بلدية الاحتلال من مواصلة أعمال نبش وانتهاك حرمة قبور الموتى في أرض ضريح الشهداء.
ومنذ سنوات، وبلدية الاحتلال تستهدف مقبرة اليوسفية، وفي عام 2014 منعت الدفن في جزئها الشمالي، وحطمت 20 قبرًا تضم رفات جنود أردنيين استشهدوا عام 1967.
جريمة ممنهجة
وفي حديثه لوكالة "صفا"، يقول رئيس لجنة رعاية المقابر الإسلامية في القدس مصطفى أبو زهرة إن طواقم بلدية الاحتلال و"سلطة الطبيعة" انتهت من كافة أعمال التجريف داخل "مقبرة صرح الشهداء"، البالغ مساحتها 4 دونمات و400 متر مربع، وتم تحويلها بشكل كامل إلى "حديقة توراتية" للمستوطنين.
ويوضح أن طواقم الاحتلال وضعت ألواحاً وأسواراً حديدية على مداخل المقبرة وتم تسييجها بالكامل، وأغلقت مداخلها ومنعت الدخول إليه، وسط حراسة أمنية مشددة، وتم تغطيتها كاملًا بكميات هائلة من التراب، ووضع العشب الأخضر الطبيعي على أرضها.
ويضيف أن تلك الطواقم عملت على وضع رشاشات مياه خاصة، ونصبت عدة كاميرات مراقبة وكشافات الاضاءة داخل المقبرة، مشيرًا إلى أن 10 شواهد قبور ما تزال قائمة رغم تحويلها لحديقة، كما حول قبلها مقبرة "مأمن الله" الإسلامية إلى حديقة أطلق عليها اسم "حديقة الاستقلال".
وخلال أعمال الحفر، حاول المقدسيون الدخول إلى المقبرة لمنع العبث بالقبور، وأدوا الصلوات في المكان، إلا أن قوات الاحتلال قمعتهم بالقنابل الصوتية والغازية والضرب والاعتقال والابعاد عن المقبرة، وتم إبعاد كلًا من مصطفى أبو زهرة، وأحمد الدجاني، وحمزة حجازي.
ويخشى أبو زهرة من تنظيم بلدية الاحتلال احتفالًا لافتتاح الحديقة التوراتية على رفات قبور المسلمين في "مقبرة الشهداء"، معتبرًا ما جرى جريمة مبرمجة ضد المقدسات الإسلامية.
ومقبرة "صرح الشهداء" أرض إسلامية خُصصت منذ أيام أمانة القدس في العهد الأردني لتكون مقبرة، وأبرزت الوثائق خلال المحاكم الفترة الماضية أن أمانة القدس سلمت هذه الأرض لدائرة الأوقاف الإسلامية التي بدورها أوقفتها كأرض وقف إسلامي لغرض توسيع مقبرة اليوسفية.
طمس للهوية
ويحاول الاحتلال بكل الوسائل، محاصرة وخنق المقابر الإسلامية الشاهدة على عروبة القدس وتاريخها وحضارتها، ويريد أن يلغي كل ما هو موجود سواء كان حيًا أو ميتًا، وتكسير شواهد القبور وتحطيمها.
ويؤكد أبو زهرة أن ما جرى بحق المقبرة التاريخية يأتي ضمن مساعي الاحتلال لطمس الهوية الإسلامية في القدس وتزييف التاريخ، وتهويد المدينة، وتحويلها لمشاهد ومعالم يهودية.
ويشدد على أن القدس والأقصى ليس ملك للفلسطينيين والمقدسيين وحدهم، بل على الأمة العربية والإسلامية أن تتحمل مسؤولياتها وتتحرك بشكل عاجل للدفاع عن المقدسات الإسلامية ونصرتها.
وأما الكاتب والمحلل المقدسي راسم عبيدات، فيرى أن ما جرى في مقبرة اليوسفية هو الأخطر ليس بهدف محاولة طمس كل معالم الوجود العربي الإسلامي والمسيحي، ولا إخفاء وتدمير كل ما له علاقة بالأثار والتراث العربي الإسلامي، وإنما هناك مخطط استيطاني يجري التخطيط له على شكل هرم.
ويوضح أن الهدف من السيطرة على هذا الجزء من المقبرة أبعد من إقامة حديقة ومسارات تلمودية توراتية، ومدرجات للإطلالة على جبل الطور، بل هناك مخطط استيطاني يمتد من المتحف الفلسطيني مرورًا بـ"الحسبة" في طلعة واد الجوز، والسيطرة على الأراضي الوقفية الإسلامية والمسيحية هناك، وكذلك مصادرة قطعة الأرض المعروفة بسوق "الجمعة".
ويضيف أن هذا المشروع الاستيطاني سيشكل حزامًا استيطانيًا حول البلدة القديمة، وطوقًا حول سور القدس، وسيتجه نحو البلدة القديمة من جهة باب الرحمة للسيطرة على منطقة "برج اللقلق" التي فشل الاحتلال في السيطرة عليها عام 1996.