القدس المحتلة - خاص صفا
لم تتوقف الحرب الإسرائيلية المنظمة التي تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى المبارك يومًا، بل تصاعدت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وباتت تحمل أبعادًا خطيرة وغير مسبوقة تستهدف القداسة والحضور الديمغرافي الإسلامي في المسجد، لتحولها إلى قداسة يهودية.
وخلال أيلول الماضي، صعدت "جماعات الهيكل" المزعوم من الاقتحامات اليومية والصلوات الجماعية في المسجد الأقصى، احتفالًا بالأعياد اليهودية، وبلغ عدد المقتحمين 6801 مستوطنًا وطالبًا يهوديًا، وكان من بين المقتحمين أعضاء كنيست وحاخامات.
وتواصل تلك الجماعات حملات التحريض على هدم الأقصى وبناء "الهيكل"، وكان آخرها ما نشره الحاخام الإسرائيلي المتطرف "يعقوب هيمن" عبر حسابه على "فيسبوك"، إعلان عن حاجته لمهندس متخصص في هدم المنشآت والمباني وتقديم اقتراح لإزالة ونقل قبة الصخرة المشرفة إلى خارج المسجد.
ولم تسلم المقابر الإسلامية من تلك الاعتداءات، بل حولت بلدية الاحتلال قبور المقدسيين في المقبرة اليوسفية/صرح الشهداء الملاصقة لأسوار البلدة القديمة إلى "حديقة توراتية" للمستوطنين، بعدما أخفت معالمها الإسلامية التاريخية وسيطرت عليها.
أبعاد خطيرة
وتأتي اقتحامات الأقصى ضمن الحرب المنظمة التي تشنها شرطة الاحتلال والمستوطنون، بما تحمله من أبعاد خطيرة على المسجد. كما يقول نائب مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس الشيخ ناجح بكيرات
ويوضح بكيرات في حديثه لوكالة "صفا"، أن هذه الأبعاد تتمثل أولًا: في إيجاد حضور يهودي وحق لليهود داخل المسجد الأقصى.
والبعد الثاني: تحويل القداسة الإسلامية من قداسة فريدة ومحصورة على الأمة ومسجدها المقدس بقرار رباني إلى قداسة يهودية، وصولًا لإنهاء تلك القداسة الإسلامية عن هذا المكان.
وأما البعد الثالث-كما يضيف بكيرات- العمل على إيجاد حضور ديمغرافي يهودي في الأقصى يُزاحم الحضور الإسلامي المتواجد يوميًا، مما يشكل تغييرًا للواقع التاريخي بالمسجد والصورة داخليًا وعالميًا.
ويبين أن" هذه الاقتحامات تشكل مع الزمن تحريضًا وقفزًا عن الفتوى التي تُحرم دخولهم للأقصى، وبالتالي تحريض الحاخامات اليهود على ضرورة تغيير تلك الفتوى، بالإضافة إلى أنها رسالة للخارج بأن لنا حق في الأقصى، وعلينا أن نتقاسمه كما حدث في المسجد الإبراهيمي".
وبحسب بكيرات، فإن الاقتحامات والاعتداءات المتواصلة على الأقصى تُشكل خطرًا كبيرًا على القضية الفلسطينية برمتها، وعلى مدينة القدس كعاصمة للفلسطينيين.
والخطورة أيضًا تكمن بأن" المكان جغرافيًا وحضوريًا بات مهدد بالزوال، وأن هناك محاولة لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى". وفق بكيرات
ويشدد على أن سلطات الاحتلال لم تتمكن حتى الآن من تغيير المشهد الإسلامي في المسجد الأقصى كما تريد، باعتباره قضية 2 مليار مسلم في العالم، وسيبقى جوهر الصراع الذي سينتهي لصالح الأمة.
ويشير إلى أن هناك وعي وتجذر فلسطيني أكثر داخل الأقصى، وتحدي لكل ممارسات الاحتلال وعنجهيته، رغم استفزازاته المستمرة، مطالبًا في الوقت نفسه بضرورة تعبئة الجمهور للتحضير لإنهاء مشروع الاحتلال.
مواجهة شاملة
أما المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي فيقول لوكالة "صفا" إن سلطات الاحتلال تستغل الظروف المحلية والدولية المحيطة، وترى فيها فرصة ذهبية لأجل تنفيذ مزيد من الاعتداءات الممنهجة على الأقصى وفرض أمر واقع جديد فيه.
ويضيف أن" الاحتلال باعتداءاته على الأقصى، يلعب بالنار، ويُؤسس لمرحلة جديدة من المواجهة، تكون عنوانها المسجد المبارك، باعتباره المفجر الأول لكل المواجهات مع الاحتلال".
ويؤكد أن هذا الواقع لن يستمر، والظروف لن تبقى كما هي، لأن الانفجار قادم لا محالة، في ظل استمرار انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه لحرمة الأقصى ومحاولاته الحثيثة لبسط السيطرة الكاملة عليه.
ولم تتوقف انتهاكات الاحتلال عند ذلك، بل تواصلت الدعوات المتطرفة لهدم قبة الصخرة، التي يعتبرها الاحتلال "المكان الأقدس" بالنسبة له، وهو ما اعتبره الهدمي "تفكير جنوني غير قابل للتطبيق على الأرص، لأن القضية تجاوزت ما يشمل الصراع العربي الإسرائيلي".
وبنظره، فإن" الاعتداء على قبة الصخرة سيقود إلى مواجهة شاملة ليس فقط بالقدس وفلسطين، وإنما بكل دول العالم، لما لهذا المكان من خصوصية".
ويتابع" يجب على الاحتلال أن يتعلم من دورس الماضي، وأن يفهم بأن المسجد الأقصى هو المفجر لكل المواجهات"، مبينًا أن" الاعتداءات على القدس والأقصى وصلت لمرحلة تجاوزت الخطر الشديد".
ولمواجهة هذه الاعتداءات، يطالب الهدمي، أهل القدس وفلسطينيي الـ 48، وكل من يستطيع الوصول للقدس والأقصى بتكثيف الرباط والتواجد، لمواجهة الاحتلال ومشاريعه التهويدية.
ويشدد على ضرورة الوصول إلى حالة ثورية شاملة في فلسطين المحتلة والدول العربية المحيطة، كونها أدت سابقًا إلى تراجع الاحتلال عن مخططاته ولو لفترة معينة.
ويضيف "يجب الحفاظ على الحالة الثورية في أعلى مستوياتها، من خلال مواجهات بالقدس والداخل والصفة الغربية، بما فيها العمليات الفدائية لتهديد أمن المستوطنين، وكذلك تنظيم مظاهرات ووقفات تضامنية في العواصم العربية والأوروبية أمام السفارات الإسرائيلية، بما يضمن عودة خطوات الاحتلال للوراء".
وعن طبيعة المرحلة القادمة، يرى الهدمي أنها ستشهد مزيدًا من التوتر الشديد في القدس، والتي باتت على صفيح ساخن، في ظل تعدد الجبهات المفتوحة ضد المقدسيين، بما فيها هدم البيوت، والاعتداء على الأقصى والتجار، واستفزازات المستوطنين، وقضية الشيخ جراح وسلوان وغيرها.
ط ع/ر ش