القدس المحتلة - صفا
25 عامًا مرت على "هبة النفق" الشعبية، التي وقعت بعدما أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على فتح نفق أسفل المسجد الأقصى المبارك، ما هدد أساساته ومعالمه التاريخية، وما يزال المسجد يتعرض لأبشع الاعتداءات الإسرائيلية، بما فيها الحفريات والأنفاق التي تخترق جدرانه.
ففي 25 سبتمبر/أيلول 1996، خرج الفلسطينيون في هبّة شعبية سميت "هبة النفق"، بعد إقدام الاحتلال على فتح النفق الغربي أسفل الأقصى، إذ توحدت جميع فئات الشعب الفلسطيني للتصدي لقوات الاحتلال في مختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبعد احتلال ما تبقى من القدس عام 1967، بدأت سلطات الاحتلال بهدم حارة المغاربة جنوب غربي الأقصى، ثم أخذ بالحفر أسفل الرواق الغربي للمسجد حتى أحدث نفقًا كبيرًا يبلغ طوله ما يقارب 330 مترًا.
وجاء افتتاح النفق بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو لرئيس بلدية الاحتلال حينها إيهود أولمرت، ما فجّر موجة غضب واسعة أدت لاندلاع مواجهات مع قوات الاحتلال امتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها.
والنفق كان ضمن مبانٍ قديمة مشيدة في عصور مختلفة ومغطاة بالطمم بسبب تهدم المدينة عدة مرات عبر التاريخ، وكذلك عملية وصل لهذه المباني من خلال حفريات أسفل أساسات مباني قائمة بعرض متر وارتفاع مترين، بالإضافة إلى وجود قناة رومانية قديمة محفورة بالصخر بعرض أقل من متر وارتفاع عدة أمتار.
حفره أدى إلى ثقب عدد من آبار المياه أسفل الرواق الغربي للمسجد الأقصى، وأحدث تصدعات كبيرة في أبنية الرواق الغربي، كما انهار درج دائرة الأوقاف الإسلامية، بالإضافة إلى انهيار في منطقة سبيل قايتباي، وتخلخلت أساسات 16 معلمًا إسلاميًا.
اعتداءات ممنهجة
وفور افتتاح باب النفق، صدحت مآذن القدس بالدعوة لمواجهة هذا الاعتداء الإسرائيلي، وانتشر أهالي المدينة في الشوارع، وتعالت صيحات الاستنكار من حناجرهم، وحالت قوات الاحتلال دون وصولهم لموقع النفق.
وحينها كانت تُوضع اللمسات الأخيرة لتثبيت الباب الحديدي الذي يؤدي إلى مدخل يصل حائط البراق بباب الغوانمة - أحد أبواب الأقصى.
ولم تكن عملية فتح النفق سوى "القشة التي قصمت ظهر البعير"، لذلك جاءت "هبة النفق" نتيجة تراكمات من ممارسات حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو، ومحاولتها فرض وقائع جديدة على الأرض.
ودارت مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال، رشق خلالها الشبان القوات بالحجارة، وعلى أثرها أخلت ساحات المسجد الأقصى، وأغلقت جميع أبوابه ولاحقت الشبان، واعتقلت 11 شابًا.
كما تخلّلت المواجهات اشتباكات مسلحة بين أجهزة أمن السلطة وقوات الاحتلال في بعض المناطق الفلسطينية، كان أعنفها حصار أكثر من 40 جنديًا إسرائيليًا داخل مقام يوسف شرقي مدينة نابلس، وتحرير المقام من سيطرة الاحتلال ورفع الأذان مجددًا داخله بعد عشرات السنين من سيطرة الاحتلال عليه.
واستمرت الهبة الفلسطينية لمدة ستة أشهر، ارتقى فيها 63 شهيدًا فلسطينيًا، وأصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة.
وعلى الرغم من الطابع السلمي الذي خيم على التظاهرات الفلسطينية احتجاجًا على فتح النفق، إلا أن القوات الإسرائيلية واجهتها بإطلاق الرصاص المطاطي والحي بكثافة، وخاصةً من العيارات المختلفة مثل رصاص عيار 500 ملم و 800 ملم.
كما استخدمت الطائرات المروحية والدبابات، بالإضافة إلى مشاركة المستوطنين في إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين.
خطر داهم
وتأتي هذه الذكرى الأليمة، وما يزال المسجد الأقصى يعاني من الاحتلال والتهويد باستخدام كل الوسائل والطرق المنهجية، بما فيها استمرار الحفريات في محيط وأسفل المسجد، ما يشكل خطرًا كبيرًا على وجوده.
وحولت سلطات الاحتلال هذه الحفريات إلى مقرات تلمودية توراتية سياحية، وأقامت المتاحف والمعارض فوق الأرض وتحتها، ودمرت بشكل كامل كل الآثار التاريخية العريقة الموجودة منذ الفترة الأموية وحتى العثمانية، وكذلك الفترة الكنعانية.
ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة القدس الدولية مؤخرًا، فإن عدد الحفريات أسفل المسجد الأقصى بلغ 64 حفرية ونفقًا تتوزع على جهات الأقصى الأربع.
ويستغل الاحتلال-وفق شخصيات مقدسية- كل الظروف المحلية والإقليمية لأجل تغيير الوضع التاريخي والقانوني في المسجد الأقصى، وفرض الطقوس والصلوات التلمودية بالمسجد، في محاولة لتنفيذ مشاريعه التهويدية، تمهيدًا لإقامة "الهيكل" المزعوم فوق أنقاضه.
ط ع/ر ش