عادة ما يعاني العديد من الطلبة الناجحين في الثانوية العامة من الحيرة والتردد عند اختيار التخصص الجامعي؛ فيجدون أنفسهم أمام عدد كبير من التخصصات ولكلّ مميّزاته وخصائصه.
وقد يخطئ الطالب في اختيار التخصص الجامعي المناسب له، فقد يختاره بأهوائه دون معرفة ما التحديات التي تواجهه في حالة هذا الاختيار، أو قد يختاره بناءً على آراء الآخرين أو نتيجة إقبال أقرانه على تخصص معين، وبالتالي يجد نفسه في الحالتين بتخصص جامعي لا يناسب قدراته ولا طموحاته.
الخبير في التنمية البشرية د. مؤمن عبد الواحد يشير إلى ضرورة موازنة الطلبة ما بعد مرحلة الثانوية العامة ما بين ثلاثة ضوابط ومعايير مهمة تحكم عملية اختيار التخصص الجامعي.
ويوضح الخبير عبد الواحد، في حديثه لوكالة "صفا"، أنّ هذه المعايير "تشبه في شكلها رؤوس المثلث وهي الرغبة والقدرة والفرصة".
الرغبة
ويبيّن المختص أنّ الرغبة يقصد بها رغبة الطالب وطموحه وأين يرى نفسه ما بعد انتهاء المرحلة الجامعية، ناصحًا الطالب بإجراء حوار داخلي مع نفسه قبل أن يطلب مساعدة الآخرين.
وأوضح أنّ ذلك يتمّ عن طريق قيام الطالب بتوجيهِ بعض الأسئلة للنفس "مثل كيف ترى نفسك بعد مرور عشر سنوات؟ ما ماهي الأمور التي يجب وتحب أن تقوم بها في حياتك؟ ماهي الأمور التي لا تحب أن تمارسها في الحياة؟".
ويلفت الانتباه إلى تداخل رغبة الطلبة مع رغبات الأهل، وخصوصًا الوالدين الذين ينقسم دورهم في مساعدة أبنائهم على إيجاد التخصص المناسب إلى شقين.
ويوضح "الشق الأول في حالة كان الطالب غير قادر على اختيار تخصص معيّن، أو تائه بين أكثر من تخصص، فهنا يجب أن يكون للوالدين والأهل دور إيجابي عن طريق النصيحة والشرح لا عن طريق الضغط والفرض".
ويضيف "أمّا الشق الثاني فيتمحور حول التدخل السلبي التي تمارسه العائلة والمحيطين بالطالب، والذي تحكمه العادات والأفكار القديمة ومجاراة العائلة والمكانة الاجتماعية، مثل إجباره على دراسة الطب والهندسة كوالده أو والدته أو إخوته وأخواته.
وينصح الأهل والأقارب بأن يكونوا "عنصر مساعدة وتوجيه إيجابي واعِ، عن طريق تقريب وجهات النظر بالنصيحة وسرد التجارب مع مراعاة رغبة الطالب بالدرجة الأولى".
القدرة
ويبيّن الخبير عبد الواحد أنّ المعيار الثاني لاختيار التخصص الجامعي المناسب يتمثّل في القُدرة "والتي ترتبط بمعدل الثانوية العامة ومفتاح التنسيق الجامعي، والمهارة العلمية التي يتميز بها الطالب، ومن ثم القدرة العملية والحياتية".
وحول المهارة العلمية، ينصح الطلبة الذين يشعرون بتميزهم في جانب معين مثل إجادة اللغة الانجليزية أو العلوم الصحية أو الرياضيات، بدراسة التخصصات التي يدعمها هذا التميز.
وفي المهارة العملية، يتساءل "ما الفرق بين محامي أو طبيب حاصل على الشهادة وبين نظيره الناجح في هذه الشهادة سوى مجموعة المهارات الحياتية التي يمتلكها الطبيب الناجح أو المهندس الناجح والتي تتناسب وتدعم التخصص الذي يرغب بدراسته؟".
الفرصة
أمّا المعيار الثالث، بحسب الخبير في التنمية البشرية، فيتمثّل في فرصة العمل في القطاع العام أو القطاع الخاص أو مشروع شخصي أو عن طريق العمل عن بعد.
ويرى عبد الواحد أن زيادة مساحة كل فرصة من هذه القطاعات تعزز اختيار طالب الثانوية العامة لاختيار التخصص المناسب مع الموازنة مع الضوابط السابقة "وكلما ضاقت المجالات العامة يصبح العمل الخاص أو العمل عن بعد أكثر حظًا".
وينصح الخبير الطلبة وذويهم بالموازنة بين هذه الضوابط الثلاث ودراسة الواقع بطريقة سليمة عند اختيار التخصص الجامعي.
خصوصية غزة
وحول خصوصية الوضع في قطاع غزة التي تضيق فيه فرص العمل لتصبح شحيحة وتنتشر فيه البطالة نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 16 عامًا، ينصح خبير التنمية البشرية الطلبة "بتكثيف دراستهم للتخصصات التي يكونوا فيها إضافة لهذا التخصص لا زيادة في العدد بحيث يكونوا هم في طليعة هذا التخصص علما ومهارة".
ويضيف "لدينا أعداد كبيرة من الخريجين في عدد كبير من التخصصات، ولكن نفتقر للمميزين في هذه التخصصات، ومن هنا نحتاج لإعادة صياغة واستحداث لبعض التخصصات وإغلاق تخصصات أخرى أو تقنينها ولا يبقى المعدل الجامعي هو المعيار الأساس والشرط لقبول الطالب فقط".
واختتم عبد الواحد كلامه مخاطبًا الناجحين في الثانوية العامة قائلًا "ادرس وتعرف على رغباتك، واسترشد بآراء أصحاب الخبرة، بدءًا من المحيط ومن ثم وسّع الدائرة إلى من سبقوك بدراسة هذه المجالات ممن لديهم الخبرة، ومن ثم ارجع لنفسك كونك أنت بالنهاية صاحب القرار".