توافق يوم الأربعاء، الذكرى الرابعة لهبة "باب الأسباط" في مدينة القدس المحتلة، أو ما يعرف بـ"هبة البوابات الإلكترونية"، والتي ثار فيها المقدسيون ضد قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي نصب بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى المبارك.
ففي صباح يوم الرابع عشر من تموز/ يوليو 2017، بدأت معركة "البوابات الإلكترونية"، حينما أغلقت سلطات الاحتلال المسجد الأقصى بالكامل، ومنعت المصلين من دخوله لأداء صلاة الجمعة في سابقة هي الأولى من نوعها منذ احتلال القدس عام 1967.
وجاء قرار إغلاق الأقصى، بعد عملية إطلاق نار داخل المسجد، نفذها ثلاثة شبان من مدينة أم الفحم المحتلة، أسفرت عن استشهادهم، ومقتل اثنين من عناصر شرطة الاحتلال وإصابة آخر.
وعقب اجتماع أمني إسرائيلي، قرر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، إغلاق المسجد الأقصى ومنع إقامة صلاة الجمعة وإغلاق مداخل البلدة القديمة، ونصب البوابات الإلكترونية.
وبعد إغلاق استمر يومين، قررت حكومة الاحتلال إعادة فتح أبواب المسجد الأقصى للصلاة فيه، لكن مع استمرار تركيب البوابات الإلكترونية لفحص المصلين الداخلين للصلاة.
ورفض المقدسيون وكافة المؤسسات والمرجعيات الدينية الخطوة الإسرائيلية؛ لتبدأ بعدها المواجهات والاعتصامات والتجمعات الكبيرة وأداء الصلوات على أبواب المسجد وفي الشوارع المحيطة، وخاصة باب الأسباط، الذي أصبح أيقونة لتلك الهبة.
وخلال الهبة، اعتقلت قوات الاحتلال 58 موظفًا تابعًا لدائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، بينهم حراس وسدنة ورجال إطفاء وإسعاف، واعتدت على شخصيات إسلامية، بينها خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، والمصلين خلال أدائهم الصلوات الخمس في محيط المسجد.
واحتجاجًا على إجراءات الاحتلال، عمت مواجهات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومظاهرات واسعة في مدن عربية وإسلامية وعواصم غربية وأوروبية، دعمًا ونصرةً للأقصى.
واستغل الاحتلال قضية البوابات الإلكترونية، ليستفرد بالمسجد الأقصى، تزامنًا مع رفض المقدسيين الدخول عبر تلك البوابات، رفضًا لجعلها أمرًا واقعًا على المسجد ورواده، ما يحمل تبعات خطيرة تُمّكن الاحتلال من الانقضاض على المسجد، وتسهل تنفيذ مخططاته التهويدية فيه.
وأمام صمود المقدسيّين وإصرارهم، كان على الاحتلال التراجع بعدما حاول المماطلة لكسب الوقت و"الاستعانة بالأصدقاء" للخروج من هذا الموقف بأقلّ خسائر، إذ إنّ مزاعمه حول السيطرة على المسجد وُضعت على المحكّ بوضوح.
وفي 24 يوليو 2017، اضطر الاحتلال إلى الانصياع لإصرار المقدسيين وصمودهم، وأزال البوّابات الإلكترونيّة، ووقف شاهدًا على احتفال المقدسيّين بانتصارهم عبر إحياء معادلة إجبار الاحتلال على التّراجع في مواجهة الإصرار والصمود.
مرحلة جديدة
ورأى مراقبون أن الزخم الشعبي والصمود المقدسي أثبت نجاعته أمام عنجهية الاحتلال وغطرسته، وأرغمه على الرضوخ والتراجع عن إجراءاته بحق المسجد الأقصى، ما تُوج بانتصارٍ كبير شكل لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع الديني حول الأقصى.
واعتبروا أن سياسة الردع الجماهيري كانت من أهم الدعائم التي استند عليها المقدسيون في هبة البوابات الإلكترونية، والتي تمكنوا خلالها من إحداث توازن بين قوة الاحتلال وآلة البطش التي يستخدمها، في مقابل أعداد كبيرة من المقدسيين.
وشكلت هبّة باب الأسباط أيضًا لحظات فارقة في تاريخ مدينة القدس، وكسرًا لمخططات الاحتلال الرامية لتهويد المسجد الأقصى وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا.
ولم تتوقف الهبات الشعبية المقدسية بدءًا من هبة باب الأسباط وباب الرحمة، حتى باب العامود والشيخ جراح، والتي أفشلت كافة إجراءات الاحتلال العنصرية، ومحاولاته الحثيثة لفرض سيادته الكاملة على القدس والأقصى وإحداث تغيير جوهري في المكان، وكذلك تهجير السكان المقدسيين من منازلهم لصالح المستوطنين.
ورغم تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسيين ومقدساتهم، واستخدام القوة المفرطة ضدهم، ومحاولات الاحتلال المتكررة لضرب معنوياتهم، إلا أنهم ما زالوا يواصلون حراكهم وصمودهم في مواجهة تلك الإجراءات، وإفشال مشروع الاحتلال للسيطرة الكاملة على القدس.
وبحسب المراقبين، فإن الحراك المقدسي يجب أن يُشكل رافدًا وداعمًا أساسيًا للمقدسيين، وهو بحاجة ماسة لاستثمار ودعم حقيقي، واستراتيجيات وخطط وطنية عاجلة لكي يستمر ويُحقق نتائجه على أرض الواقع.