يشكل قرار الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" رفض إدراج "إسرائيل" على اللائحة السوداء للدول المنتهكة لحقوق الطفل مؤشرًا خطيرًا يعكس خضوعها للرغبة الأمريكية بمنع أية مواقف في أروقة الأمم المتحدة من شأنها الضغط على الاحتلال وانتقاده، وكشف الوجه الحقيقي لما يمارسه من جرائم ضد الفلسطينيين. بحسب مختصان حقوقيان.
ويرى الحقوقيان اللذان تحدثا لوكالة "صفا"، أن الأمم المتحدة تكيل بمكيالين في التعامل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن أمينها العام يواصل غض الطرف عن انتهاكات الاحتلال واستخدام المعايير المزدوجة، ما يشجع "إسرائيل" على ارتكاب المزيد من الجرائم.
وقرر "غوتيريش" مواصلة عدم إدراج جيش الاحتلال على اللائحة السوداء للدول والجماعات المنتهكة لحقوق الأطفال في مناطق النزاعات.
ويأتي هذا الرفض، كما في أعوام سابقة، رغم تحميل جيش الاحتلال المسؤولية عن غالبية الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال خلال سنة 2020 في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها شرقي القدس، وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948.
وفي عام 2002، صدرت "اللائحة السوداء" من الأمين العام للأمم المتحدة، للمنظمات والدول التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاع، وهي لائحة تصدرها الأمم المتحدة في تقرير سنوي.
وأدرجت "إسرائيل" مرة واحدة على "قائمة العار"، في عام 2015، بعهد الأمين العام السابق بان كي مون، واضطر لسحب اسمها بعد ضغوطات أميركية.
إزدواجية المعايير
ويقول نائب رئيس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة سمير زقوت إن المجتمع الدولي والأمم المتحدة تكيل بمكيالين وتتعامل بازدواجية المعايير فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويوضح زقوت لوكالة "صفا" أن بعض الموظفين الكبار في الأمم المتحدة لا يجرؤون على القيام بواجبهم المنوط بهم على أكمل وجه اتجاه إظهار الوجه الحقيقي البشع لما تقوم به "إسرائيل" على الأرض من جرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وخاصة الأطفال.
وهذه ليست المرة الأولى التي لم تُدرج "إسرائيل" فيها على "القائمة السوداء" للأمم المتحدة، رغم أنها تعد الأكثر انتهاكًا لحقوق الأطفال. وفقًا لزقوت
وبهذا الصدد، يلفت إلى تقرير سابق لمنظمة "الإسكوا" اتهم "إسرائيل" بفرض نظام فصل عنصري على الفلسطينيين، والذي رفض الأمين العام للأمم المتحدة نشره وطالب بسحبه، ما دفع مديرة المنظمة إلى تقديم استقالتها.
ويؤكد استمرار المجتمع الدولي والأمم المتحدة في التحلل من التزاماتها والقيام بواجباتها فيما يتعلق بوقف الانتهاكات الإسرائيلية ومساءلة كل المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية، وكذلك تجاهل قواعد القانون الدولي.
ويشير إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة يستمر في غض الطرف عن انتهاكات الاحتلال واستخدام المعايير المزدوجة، ما يؤجج الصراع ويدفع لمزيد من الانتهاكات.
وبنظره، فإن مثل هذه الخطوات تُشجع قوات الاحتلال على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين، وكذلك عدم مساءلة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة.
ويوضح أن المنظمات الحقوقية تقوم بواجباتها على أكمل وجه في توثيق جرائم الاحتلال وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وهناك عمل وجهد كبير يمكن أن يُدين "إسرائيل"، ويُؤسس للمساءلة والمحاسبة على جرائمها في الأراضي الفلسطينية.
ويؤكد أن هناك أطنان هائلة من الملفات والوثائق التي تُثبت ارتكاب الاحتلال جرائم حرب بحق الفلسطينيين، لكننا بحاجة إلى اتخاذ مواقف فلسطينية وعربية وإسلامية تنتصر للقانون الدولي.
ويتابع "ما لم ننجح في ذلك، فإن الكثيرين سواء أطفال أو غيرهم سيدفعون ثمنًا لاستمرار هذا الصراع وللانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة المنظمة، لكن يحذونا الأمل بأننا سننجح في إدانة قادة الاحتلال على جرائمهم، وبإعادة الاعتبار للحق الفلسطيني".
ويشدد زقوت على ضرورة استمرار المنظمات الحقوقية في توثيق انتهاكات الاحتلال، واستخدام كل الآليات الممكنة، واستمرار الاشتباك مع المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب.
مؤشر خطير
وأما منسق تجمع المؤسسات الحقوقية "حرية" عمر قاروط، فيرى أن قرار "غوتيريش" بشأن عدم إدراج جيش الاحتلال على اللائحة السوداء، "مبنى على محاباة مطلقة لهذا الاحتلال".
ويضيف أن القرار يشكل خضوعًا للرغبة الأمريكية القائمة على عدم السماح بأية مواقف في أروقة الأمم المتحدة من شأنها أن تشكل احراجًا أو انتقادًا وضغوطًا على "إسرائيل".
ويبين أن موقف الأمين العام لا يعتبر جديدًا، رغم أنه يدرك تمامًا أن قراره لا ينسجم مع قواعد القانون الدولي ولا مع مبادئ حقوق الإنسان، ولا القوانين الدولية التي تكفل المحافظة على حماية حقوق الطفل على مستوى العالم.
وبحسبه، فإن هذا القرار بمثابة مؤشر خطير يعكس خضوع الأمم المتحدة للضغوط التي تمارسها سلطات الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية ضد المنظمة الأممية وأجهزتها المختلفة.
ووفقًا لقاروط، فإن مبدأ محاسبة الاحتلال على المستوى الدولي لابد أن تتوفر فيه الإرادة والرغبة الدولية من قبل الأمم المتحدة والهيئات والمجالس التابعة لها.
ويتابع "وكون هذه الرغبة لم تنضج حتى الآن، فهذا يعني أننا سنظل أمام مواقف ضعيفة غير فاعلة، بالتالي لن يتم محاسبة سلطات الاحتلال على انتهاكاتها مهما بلغت قسوتها ومعارضتها للقرارات الدولية ومخالفتها للقانون الدولي".
ويؤكد أن الساحة تبقى مفتوحة أمام العمل من خلال مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الناشطة على المستوى العالم التي من شأنها أن تشكل ضغوطًا تسهم في الحد من حدة وقسوة انتهاكات الاحتلال ضد الفلسطينيين.
ويثير استمرار عدم ذكر اسم "إسرائيل" في (قائمة العار) التساؤل حول التزام الأمانة العامة للأمم المتحدة في التصدي للانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها سلطات الاحتلال ضد الأطفال الفلسطينيين، والوقوف في وجه مرتكبيها.