بعدما غدا رمزًا وأيقونة للنضال والصمود الفلسطيني في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، بات باب العامود في القدس المحتلة عنوانًا رئيسًا للاستهداف الإسرائيلي الذي لا يتوقف، في محاولةٍ لحسم معركته الأساسية الهادفة لتغيير هويته الإسلامية وصبغها بطابع يهودي.
وتحت غطاء "التطوير وتحسين حياة السكان"، تعتزم بلدية الاحتلال في القدس تنفيذ مشروع تهويدي ضخم لتغيير معالم منطقة باب العامود وحي الشيخ جراح، وتحويلها إلى مركز ترفيهي وتجاري.
ويعتبر باب العامود من أشهر وأجمل أبواب مدينة القدس، والأكثر فخامة من ناحية الزخارف والارتفاع الذي يصل لنحو ثمانية أمتار، يكتسب أهمية ورمزية كبيرة كونه المدخل الرئيس المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق، وإلى الأسواق التاريخية بالبلدة القديمة.
ويقع في الجهة الشمالية من السور المحيط بالبلدة القديمة، عند بداية انحدار الوادي الذي يقطع البلدة القديمة من الشمال إلى الجنوب، والذي يعرف حاليًا عند أهل القدس باسم طريق الواد.
تفاصيل المخطط
ووضعت بلدية الاحتلال كافة الترتيبات والأمور اللوجستية والهندسية لأجل تنفيذ مخطط تحويل منطقة باب العامود والشيخ جراح إلى مركز ترفيهي وتجاري، عبر إجراء تحديث معماري شامل للمنطقة، كما يقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب لوكالة "صفا"
ويمتد المشروع التهويدي من ساحة باب العامود حتى حي المصرارة وصولًا لباب الساهرة وشارعي السلطان سليمان وصلاح الدين، وبداية حي الشيخ جراح. وفق أبو دياب
ويشير أبو دياب إلى أن بلدية الاحتلال رصدت ميزانية بقيمة 70 مليون شيكل لتنفيذ المشروع، بالتعاون مع أجهزة الاحتلال الأمنية.
وسيشمل المشروع في مرحلته الأولى، ترميم وتحديث مجمع شركة الكهرباء في شارع صلاح الدين قرب مبنى شركة كهرباء القدس، وتغيير البنية التحتية وواجهات المباني وإنشاء حديقة وغرس للأشجار، وإقامة مراكز ترفيهية وتجارية.
ووفقًا للمخطط، فإن المرحلة الثانية ستشمل تطوير محور شارع السلطان سليمان والأنبياء المطل على الأسوار، وبناء شارع مظلل به صفان عريضان من الأشجار في الموقع، والذي سيربط مركز الأعمال بأبواب المدينة القديمة.
ويوضح أبو دياب أن المشروع سيتخلله أيضًا إقامة مراكز أمنية للمراقبة والسيطرة الأمنية في المنطقة، بالإضافة إلى تركيب نظام إضاءة مخصص لإضاءة أسوار القدس وباب العامود.
ويضيف أن المشروع رُغم أن ظاهرة سياحي تجاري كما تدعي بلدية الاحتلال، إلا أن في باطنه خطورة كبيرة على المنطقة وهويتها وطابعها المعماري التاريخي والأثري.
تغيير الهوية
وعن سبب اختيار بلدية الاحتلال لباب العامود تحديدًا، يرجع أبو دياب ذلك إلى أهمية هذا المعلم التاريخي، باعتباره أشهر أبواب القدس وأجمل المناطق التاريخية بالمدينة، والذي يتمتع بطراز معماري جذاب وساحر، لذلك يسعى الاحتلال إلى تغيير هذا الطراز وتثبيت سيطرته الكاملة على المنطقة.
ويوضح أن الاحتلال يستهدف مرارًا وتكرارًا منطقة باب العامود والشيخ جراح لأهميتها وتميزها في النضال والصراع مع هذا المحتل.
وبهذا المشروع، تريد بلدية الاحتلال-وفقًا لأبو دياب- تغيير هوية باب العامود وطابعها الإسلامي، بعدما أضحت المنطقة رمزًا للنضال الفلسطيني والحراك المقدسي في مواجهة الإجراءات والممارسات الإسرائيلية الممنهجة.
وبحسبه، فإن سلطات الاحتلال تعمل على إعادة بناء هذه المنطقة وتهيئتها للسيطرة على الأرض والمزيد من الأثار الإسلامية، وتغيير الوجه الحضاري للمدينة المقدسة، وتحديدًا ساحة باب العامود، وبالتالي حرمان الناس من هذه الأيقونة.
ويتابع أن المشروع من شأنه تقليل عدد المحلات التجارية والمواقع التي يرتادها المقدسيين، وإغلاق أجزاء من المنطقة المستهدفة، وفرض مزيد من المراقبة الأمنية على المقدسيين.
ويبين أن بلدية الاحتلال بهذا المشروع، ستعمل على ربط المنطقة بالجزء الغربي من القدس بمسارات آمنة لتسهيل وصول المستوطنين وتنفيذ استفزازاتهم.
تهويدي بامتياز
وأما رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، فيصف المشروع بأنه تهويدي بامتياز، يهدف إلى منع سكان شرقي القدس من الاستفادة في البناء، والاستيلاء على أكبر قدر من المباني الفلسطينية العامة، وتحويلها إلى سيطرة بلدية الاحتلال.
ويوضح لوكالة "صفا" أن الاحتلال يُقدم المشروع بشكل تطويري تحديثي، لكن في حقيقة الأمر يطمس التاريخ والحضارة بالقسم الشرقي من المدينة، ويحول الأراضي الفارغة لمنطقة عامة يُمنع الاستفادة منها.
ويشير إلى أن الاحتلال طرح المشروع عدة مرات، وكان المفترض البدء بتنفيذه في ديسمبر/ كانون الأول 2020، لكن تم تجميده، حتى يتم دراسته مجددًا، ومن المتوقع في ظل الحكومة الإسرائيلية القادمة إعادة طرحه مرة أخرى والعمل على تنفيذه.
وباستمرار يستهدف الاحتلال باب العامود، كونه اكتسب قيمة ومكانة خاصة، وأصبح أيقونة وطنية واجتماعية لدى المقدسيين خاصة، والفلسطينيين عامة، بحيث يستخدمونه في احتفالاتهم الدينية ووقفاتهم التضامنية واحتجاجاتهم على سياسات الاحتلال، والتواعد فيما بينهم.
وهذا ما أزعج الاحتلال –يقول الهدمي- وجعله محطة رئيسة للصراع بهدف تغيير واقعه وصورته الحضارية والتاريخية.
وكان رئيس بلدية الاحتلال موشيه ليون قال: إن" مشروع تطوير مشروع مركز الأعمال الرئيس الشرقي هو ركيزة أخرى لسياسة البلدية لتطوير البنية التحتية وحياة التجارة والتوظيف في المنطقة بهدف تحسين حياة السكان الذين يعيشون فيها، وتعزيز العلاقات معهم". وفق زعمه