يقضي المقدسي صلاح حسن الحموري أيامًا صعبة بين المحامين ومؤسسات حقوق الانسان ووسائل الاعلام، بعد بدء العد التنازلي للمدة التي منحتها له سلطات الاحتلال الإسرائيلي للاعتراض على قرار سحب إقامته المقدسية بالمدينة، إذ لم يتبق أمامه سوى 24 يومًا.
والحموري (35 عامًا) أسير محرر ولد بمدينة القدس لوالد فلسطيني وأم فرنسية، ولديه طفل (4 سنوات)، وزوجته مبعدة عن القدس منذ عام 2016، ويعمل محاميًا في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الانسان.
وتفاجأ صلاح، الذي يحمل الجنسية الفرنسية، باستدعائه يوم الخميس الماضي الثالث من سبتمبر/ أيلول الجاري إلى مركز شرطة المسكوبية؛ لإبلاغه بقرار وزير داخلية الاحتلال سحب إقامته المقدسية "هويته".
ويترتب على هذا القرار في حال نفذته سلطات الاحتلال ترحيل صلاح عن مدينة القدس، وفصله عن مكان ولادته ونشأته وترعرعه، بزعم الدواعي الأمنية ونشاطه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واستخدام هويته لخدمة المنظمة.
ويؤكد الحموري في حوار خاص مع وكالة "صفا"، أن القرار سياسي بحت، ويأتي ضمن الضغط النفسي والاجتماعي والاقتصادي عليه وعلى غيره ممن يتلقون مثل هذه القرارات.
20 عاما من الاستهداف
وتحمل الـ20 عامًا الأخير من حياة الحموري بصمات واضحة في معاناته وآلامه، إذ أفناها في مقارعة الاحتلال، وأصيب لأول مرة بعيار ناري في الفخذ الأيمن حين كان عمره (15 عامًا) خلال مواجهات انتفاضة الأقصى عام 2000، وما زالت الرصاصة في فخذه.
واعتقل الاحتلال صلاح في عام 2001 وعمره (16 عامًا) لمدة 6 أشهر، وأعاد اعتقاله في عام 2004 إداريا لمدة 4 أشهر، بينما كان يتعلم بالسنة الأولى في الجامعة، كما اعتقل في عام 2005 لمدة 7 سنوات، وأفرج عنه في الدفعة الثانية من صفقة "وفاء الأحرار" بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون أول 2011.
وتسلم صلاح الحموري عام 2014 أوامر عسكرية تقضي بمنعه من دخول الضفة الغربية المحتلة 3 مرات لمدة عام ونصف.
وتعدى استهداف الاحتلال الحموري إلى زوجته، إذ اعتقلها في مستهل عام 2016 خلال عودتها من فرنسا لمدة 3 أيام، رغم أنها تحمل فيزا قانونية، وحامل في الشهر السابع، قبل ترحيها إلى فرنسا.
ويواصل الاحتلال ملاحقة صلاح ليعتقله إداريًا مرة أخرى في شهر أغسطس/ آب عام 2017، وجدد اعتقاله 3 مرات ليقضي في السجن 13 شهرًا، وأطلق سراحه في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2018.
وبين عامي 2018 و2019 استدعت مخابرات الاحتلال الحموري عديد المرات، ثم اعتقلته في شهر يونيو/ حزيران الماضي لمدة أسبوع وأطلقت سراحه، واستدعته مجددًا في الثالث من سبتمبر/ أيلول الجاري لإبلاغه بقرار وزير داخلية الاحتلال سحب إقامته.
مقدمة لترحيل المناضلين
ويصف المحامي صلاح القرار بـ"الخطير جدًا" بأبعاده السياسية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية عليه وأسرته.
ويضيف، لوكالة "صفا": "إذا تم ترحيلي سيكون سابقة من أجل ترحيل مئات وآلاف المناضلين المقدسيين؛ فالاحتلال يستهدف وجود المقدسيين في المدينة، ويهدف إلى إخراجهم منها للحفاظ على أغلبية اسرائيلية مقابل أقلية عربية".
ويشير إلى أن "القرار يتعلق بترحيلي وإبعادي عن أسرتي وتشتيت شمل العائلة، كوني أحمل الجنسية الفرنسية، وتطبيقه يعني أن الاحتلال لن يسمح لي بالعودة إلى القدس".
"القدس حياتي"
ويؤكد المحامي أن "القدس جزء كبير من حياتي وشخصيتي ووعيي، وارتباطي بها وحبي لها ليس فقط سياسيًا وإنما إنساني".
وبالنسبة إلى الحموري فإن ارتباطه بالقدس "ليس صدفة، لأني ولدت فيها وعشت طفولتي وشبابي وذكرياتي، وبالتأكيد سيكون فيها مستقبلي، لأني أرفض الخروج منها".
ويضيف "تعلمت بمدرسة الفرير، وكان المسار اليومي خلال 18 عامًا من الدراسة في شوارع البلدة القديمة وأزقتها. القدس جزء لا يتجزأ من شخصيتي وكياني".
ويتابع "بقدر حبنا للمدينة بقدر تمسكنا فيها، واستعدادنا لدفع الثمن من أجل البقاء فيها، فهي ليست مجرد حجارة، وإنما تاريخ وذكريات وطفولة وأصدقاء، فرحنا وبكينا هنا".
ويصف صلاح ما يعيشه باليوم بـ"المعركة الجديدة"، التي تحتاج إلى نفس طويل من أجل خوضها، معربًا عن أمله أن ينجح فيها.
وقرر الحموري أن يخوض معركة قانونية وسياسية ضد قرار الاحتلال، مع استخدام الأساليب المتاحة كافة من أجل إيقافه.
ويوضح المحامي أنه سيتم تشكيل فريق من المحامين ليتولى الدفاع عنه بهذه القضية وتقديم الاعتراض.
أسلوب قديم جديد
وعن قرار الترحيل، يقول صلاح: "الاحتلال يجدد دائمًا أساليبه من أجل تعذيبنا وقهرنا وإخراجنا من المدينة، وهذا الأسلوب قديم جديد".
ويلفت إلى أن قضية نواب القدس المبعدين تختلف عن قضيته؛ فالنواب ليس لهم بديل سوى الترحيل إلى الضفة الغربية، حتى لو لم يحصلوا على أوراق ثبوتية من السلطة الفلسطينية، أما هو فيدّعي الاحتلال أن لديه البديل، وهو الذهاب إلى فرنسا كونه يحمل جنسيتها.
مخالفة القانون الدولي
أما رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين أمجد أبو عصب فيؤكد أن قرار وزير داخلية الاحتلال سحب إقامة الحموري يتعارض مع القانون الدولي والإنساني لأننا نعيش تحت الاحتلال.
ويشير في حديثه لوكالة "صفا" إلى أن قرار الاحتلال هذا ليس الأول، بل سبقه عديد القرارات كان أبرزها بحق نحو 10 أسرى في سجون الاحتلال، أدينوا بتنفيذ عمليات فدائية، بالإضافة إلى إبعاد نواب القدس ووزيرها.