في الوقت الذي تُسمع فيه أصوات التجارب الصاروخية المكثفة بوضوح في قطاع غزة، ترغب المقاومة في أن يتردد صداها بشكل أقوى داخل "إسرائيل"؛ لإيصال رسائل في ظرف حساس، على وقع تصعيد تدريجي يُلاحظ على الجبهة الجنوبية.
وسُمع في القطاع منذ ساعات الصباح الباكر أصوات قوية لثماني تجارب صاروخية على الأقل، وهو عدد ليس طبيعيًا بالنسبة إلى التجارب التي أجرتها فصائل المقاومة على مدار السنوات الماضية.
وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع حديث الإسرائيليين عن عودة البالونات "الحارقة والمتفجرة" إلى مستوطنات غلاف غزة، وتهديد وزير الجيش بيني غانتس ورئيس الأركان أفيف كوخافي بـ"رد قاسٍ" على ذلك.
وسبق كل تلك التطورات حديث قيادات فصائلية عن عدم التزام الاحتلال بتفاهمات كسر الحصار المستمر على القطاع للسنة الـ14 على التوالي، وسط ظروف إنسانية متردية.
ويعتقد مختصون أن الصواريخ التجريبية اليوم تحمل على رؤوسها رسائل بالغة الأهمية، ليس أقلها الرد على غانتس، ودعوته إلى "عدم تجريب المجرّب" مرة أخرى، وتنفيذ التفاهمات؛ خوفًا من العواقب.
"الوقت المناسب"
وتحمل الصواريخ التجريبية رسائل غضب بسبب الوضع الإنساني في ظل انشغال حكومة الاحتلال بنفسها وعدم التقدم في أي مسار داخلي أو خارجي، سوى "فرقعات إعلامية عن إيران وسوريا"، وفق المختص في الشأن الإسرائيلي سعيد بشارات.
ويرى بشارات في حديث لوكالة "صفا" أن "المقاومة تريد أن تُحيي ملف تفاهمات كسر الحصار في ظل تزاحم الأحداث في الشرق الأوسط".
ويقول: "هذه أفضل فترة لغزة من أجل التصعيد في ظل الظروف الحساسة في إسرائيل".
ويضيف "وضع الاحتلال الداخلي خطير. صحيح هو قادر على تنفيذ مهام عبر أذرعه القوية للتأثير على بعض الجبهات، لكنه لن يذهب إلى مواجهة واسعة بظل أزماته الداخلية، ولاسيما كورونا، وإغلاق المحال، ومظاهرات الشوارع، وقرب بدء العام الدراسي".
ويلفت إلى أن المقاومة أرادت أيضًا تأكيد امتلاكها ترسانة قوية قادرة على إحداث توازن وقوة ردع، وهي تريد بذلك "دفع الاحتلال للتخلي عن تفكيره بسحب سلاحها، وإجباره على الرضوخ لتنفيذ التفاهمات التي تمس الحياة اليومية بغزة".
ويشير بشارات إلى أن أي عمل "أحمق" تنفذه "إسرائيل" في هذه الفترة الحساسة "لن يؤثر على غزة وحدها، بل ستخسر تل أبيب مقابله الشيء الكثير".
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية؛ فإن غانتس وكوخافي اتخذا قرارًا بـ"بعدم السماح بإطلاق البالونات الحارقة أو المفخخة"، وشددا على أن "استمرار إطلاقها سيجلب ردًا قاسيًا حتى لو أفضى ذلك إلى تصعيد الأوضاع".
رسائل "تصويب الحالة"
ويؤكد رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة عدنان أبو عامر "حق المقاومة في استخدام كل الوسائل المتاحة لديها للرد على حالة تلكؤ الاحتلال ونكوصه في تنفيذ الاتفاقات الإنسانية التي وافق عليها بوساطة أممية ومصرية".
ويرى أبو عامر في حديث لوكالة "صفا" أن "ما ترسله المقاومة من رسائل يأتي لتصويب الحالة، وعدم السماح للاحتلال بأن يكون المتحكم في إنعاش القطاع أو إنهاكه، اقتصاديًا وصحيًا".
ويشير إلى أن "المقاومة تمتلك أدوات ومقدرات وأساليب هي في النهاية لخدمة القضية الوطنية الفلسطينية، ومن حقها استخدام كل الأدوات والأساليب لتوفير حياة كريمة ومريحة للفلسطينيين ولا سيما في قطاع غزة".
التحليل الإسرائيلي
ويبدو أن "حساسية التوقيت" دفعت المراسلين العسكريين والمحللين السياسيين الإسرائيليين للتعليق سريعًا على الموضوع.
ويرى المراسل العسكري للقناة 12 نوعام أمير أن حماس تريد من الصواريخ التجريبية هذه المرة "إرسال إشارة إلى إسرائيل بأنها مستعدة، ومستودعاتها امتلأت بالفعل".
أما الصحافي اليؤور ليفي من "يديعوت" فيشير إلى أن إطلاق الصواريخ التجريبية جاءت ضمن "التصعيد التدريجي في الجنوب، وفي وقت مثير للاهتمام".
استعداد للمواجهة
ويضع الباحث المتخصص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة إطلاق الصواريخ التجريبية في سياق رسائل المقاومة التحذيرية بعد تنصل الاحتلال من التزامات كسر الحصار، وتهديدات وزير جيش الاحتلال لغزة.
ويرى أبو زبيدة في حديث لوكالة "صفا" أن المقاومة أرسلت- عبر الصواريخ التجريبية- رسالة للاحتلال أن قدارتها الصاروخية باتت أكثر تطورًا، وتُستخدم للردع.
وفي حال لم يلتزم الاحتلال بتفاهمات كسر الحصار؛ فإن المقاومة قادرة على خوض عديد المواجهات التي ستكلّف الاحتلال كثيرًا، وسط تعقيدات سياسية داخل "إسرائيل"، وتخوفات من اشتعال الجبهة الشمالية، وفق الباحث في الشأن العسكري.
ويلفت إلى أن تكثيف الصواريخ التجريبية رسالة لبيني غانتس وقيادة الاحتلال أن "التهديدات لن تأتي بنتيجة، والمقاومة جاهزة للجم أي عدوان".
وبشأن إمكانية اندلاع مواجهة مفتوحة أو محدودة، يعتقد أبو زبيدة أن المواجهة المفتوحة مستبعدة خلال هذه المرحلة.
ويقول: "الاحتلال داخليًا غير جاهز، وعينه على الجبهة الشمالية في ظل الأزمة التي يعيشها لبنان، والقدرات النووية الإيرانية، والجبهة داخل سوريا، ويعتبر ذلك أولوية".
ووفق الباحث في الشأن العسكري؛ فإن الاحتلال "يحاول عدم فتح أكثر من جبهة، وسينزل عن الشجرة، ويمرر بعض التسهيلات لتسكين جبهة غزة".
ويضيف "في ظل المناوشات والبالونات الحارقة وعمليات إطلاق النار، يمكن أن نشهد بعض الجولات القصيرة من أجل توصيل رسائل ساخنة من كل طرف للآخر، والمتوقع أن تنتهي بتسكين الجبهة وإدخال بعض التسهيلات للقطاع".