سعادةٌ غامرة تكاد لا تفارق "مها لولو" مريضة السرطان وهي تصنع شعرًا مستعارًا برفقة زميلاتها المرضى في مركزٍ للتزيّن بمدينة غزة، وذلك عوضًا عما فقدْنه من شعر منذ إصابتهن بالداء.
وأمام كومةٍ من بكرات الخيوط الملوّنة والرُقع القماشيّة المخصصة لتثبيت خصلات الشعر المستعار أسفله، اختارت مها (55 عامًا) خصلاتٍ من الشعر الأحمر القاني المصنّع من الألياف الاصطناعية لتمشيطه وتوصيله بمشابك معدنية صغيرة مع تلك الرقع، ليكون فيما بعد شعرًا بديلاً لها أو لإحدى زميلاتها أو أخرى تخشى الإفصاح عن مرضها مستقبلاً.
ومنذ إصابتها في العام 2012، اضطرت تلك السيّدة إلى الخضوع لجلسات علاج كيماويّة في القدس المحتلة، حيث تعتقد أن تلك الجلسات واستفحال المرض ساهما سويًا في فقدن الكثير من شعرها المُحبّب إليها.
وفي ذات المشغل الصغير الذي يعمل فيه 9 أخريات من صديقات "مها" ضمن مبادرة "خُصل الخير"، تقول مدربتهنّ حنين محيسن إنهن يستعدّن لصنع خصلاتٍ من الشعر الطبيعي قريبًا، والذي يتراوح ثمن الواحد منه 80-120 شيكلاً، 20-40 شيكلاً لنظيره الاصطناعي.
وتعتقد حنين أن هؤلاء المتدربات سيكنّ قادراتٍ على افتتاح مشاريع صغيرة خاصةٍ بهنّ للصنع والبيع في ذلك المجال في نهاية الدورة التي تستمر لأسبوعين تقريبًا، حيث "سيلقى ما ينتجنه من شعرٍ مستعار زبونةً قد تُعوض نفسها بعضًا من الأنوثة المفقودة بسبب ذلك المرض".
وبحسب إحصائية لوزارة الصحة؛ فإن نحو 55% من مرضى السرطان في غزة هم من النساء، بواقع نحو 4700 سيدة.
ورغم أن تلك العاملات ومن في حكمهنّ بسبب المرض لم يعد بمقدورهنّ زيارة صالونات التجميل لتصفيف الشعر، إلا أن مبادرةً مماثلة أُطلقت أيضًا لجمع الشعر الطبيعي المجمّع من تلك الصالونات لإهدائه للمتدربات في المشغل، وذلك بحسب ما قالت حلا الكفارنة أخصائية الدعم النفسي والاجتماعي بالجمعية.
وتقول الكفارنة: "إن اقتناء المصابة لشعرٍ مستعار "يبعث شعورًا إيجابيًا لديهن ويُسهم في تسريع فترة تعافيهنّ، كما أن سيّدات أخريات تبرعنّ كذلك بقصاصات من شعرهنّ لرسم بعضٍ من الفرحة على شفاهٍ حرمها المرض من البسمة".
أما مشرفة الدورة حليمة عبد العزيز، فتقول إنه تم التعريف بالحملة عبر مراكز التجميل في قطاع غزة للتبرّع بالشعر الطبيعي لصالح المريضات، موضحةً أن الفكرة لاقت قبولًا وتشجيعًا لدى كثيرٍ من مرتادات تلك المراكز.
وتشكل القيود المشددة التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على حرية الحركة والتنقل للمرضى في غزة أحد أبرز الانتهاكات المنظمة التي تهدد حياة المرضى وتحرمهم من الوصول إلى العلاج.
ويعتبر السفر خارج غزة للخضوع إلى العلاج الإشعاعي والعلاجات الكيماوية غير المتوفر في القطاع المحاصر، وغياب الأجهزة التشخيصية المناسبة، وتراجع المنظومة الصحية، ضرورة لا غنى عنها، ولكن القيود استمرت سواء برفض منح التصاريح التي تمنحها السلطات الإسرائيلية أو المماطلة في الردود، حيث تشير المعطيات المتوفرة أن 38% من المرضى لم يتمكنوا من الوصول إلى المرافق الصحية خارج غزة لتلقي العلاج.