يرى مختصون في شؤون القدس إن الزخم الشعبي والصمود المقدسي أثبت نجاعته أمام عنجهية الاحتلال الإسرائيلي وغطرسته، وأرغمه على الرضوخ والتراجع عن إجراءاته بحق المسجد الأقصى المبارك، ما تُوج بانتصارٍ وطني ديني كبير شكل مرحلة جديدة في تاريخ الصراع الديني حول الأقصى.
ويؤكد هؤلاء في أحاديث منفصلة مع وكالة "صفا" فإن هذا الانتصار يشكل أيضًا حاضنة ورافعة لانتصارات أخرى ليس بقضية الأقصى فقط، بل في قضية القدس والقضايا الكبرى، لكنها بحاجة إلى معارك جماهيرية كبرى مع الاحتلال، وإلى تكثيف الحراك الشعبي من أجل الحفاظ على الأقصى وهويته العربية الإسلامية.
ويأتي انتصار المقدسيين بعد 12 يومًا من الرباط أمام أبواب الأقصى، رفضًا للدخول إليه في ظل إجراءات جديدة تحد من حريتهم في العبادة، حيث أقاموا الصلوات في مكان الاعتصام، بينما قابلت شرطة الاحتلال ذلك بقمعهم بالقوة.
وبعدما أزالت سلطات الاحتلال كافة المعيقات التي وضعتها على أبواب الأقصى، قررت المرجعيات الدينية في القدس المحتلة اليوم عودة الصلاة في المسجد، داعية أهالي القدس ومن يستطيع الوصول إليه لأداء صلاة العصر فيه.
صمود وثبات
وبصمودهم وإصرارهم على موقفهم، حقق المقدسيون انتصارًا كبيرًا على الاحتلال، وأرغموه على إزالة كل التغيرات التي أحدثها على أبواب الأقصى. وفق المختص في شؤون القدس المحامي خالد زبارقة.
ويقول زبارقة لوكالة "صفا" إن" قضية الأقصى والقدس أثبت أنها قضية جامعة للأمة جمعاء، وهذا ما شاهدناه من تفاعل على مستوى العالم العربي والإسلامي حيال ما يجرى بحق المسجد".
ويضيف أن الجموع التي كانت تقف يوميًا أمام أبواب الأقصى، والتزمت بقرار المرجعيات الدينية دللت على أن الشعب الفلسطيني تواق للوحدة، و"وجه رسالة للجميع بأننا نستطيع أن نتوحد حول قضية موحدة وهي قضية الأقصى، وعلى الجميع أن يأخذ بعين الاعتبار تطلعات هذا الشعب، والعمل على تحقيق الوحدة والتكافل".
وأمام هذا الانتصار، فإن زبارقة يبدي تفاؤلًا حذرًا حيال ذلك، قائلًا "ما حصل لا يعني أن الاحتلال تنازل عن خطته لفرض واقع جديد في الأقصى، ولا أنه تنازل عن هدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، بل هو يسعى ليل نهار لفرض التقسيم الزماني والمكاني فيه".
ويؤكد أن أكبر إنجاز في هذه القضية هو تحديد هوية الصراع على الأقصى، فهو صراع ديني وليس سياسي، وما حرك الجماهير هو الوازع الديني، لذلك فإن الاحتلال يسعى إلى فرض هوية دينية يهودية على الأقصى.
وحول كيفية استغلال الانتصار، يقول زبارقة "علينا ألا نقف عند الإنجازات على المستوى السياسي في قضية الأقصى، بل العمل على استحضار أن المسجد هو قضية دينية إسلامية مقدسة، وأن أي تفاهمات ممكن أن تعقد مع أي طرف بشأنه، يجب أن تكون على الهوية الدينية للأقصى".
وبحسبه، فإن "إسرائيل" تريد في المرحلة القادمة أن تفرض هوية دينية يهودية على الأقصى، وأن تحسم القضية بالقوة، وحاولت خلال هذه الفترة أن تفرض ذلك، ولكن الموقف الجماهيري كان واضحًا، لذلك تراجعت عن إجراءاتها.
ويتابع: "يجب على الجميع الآن التفكير جيدًا في كيفية استغلال هذا الزخم الجماهيري المناصر والموحد، والذي برز في هذه الأزمة وحسم الأمور لصالح الفلسطينيين".
ويوضح المختص في شؤون القدس أن "قوة الزخم الشعبي أكدت بشكل واضح أن المساس بالأقصى لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال".
وأغلقت قوات الاحتلال الأقصى ثلاثة أيام في وجه المصلين، ومنعت رفع الأذان وإقامة الصلاة فيه، وفتشت جميع أركانه بزعم تنفيذ عملية فدائية في محيطه، ثم فتحته بعد تثبيت بوابات إلكترونية على أبوابه، وهو ما رفضه المقدسيون، ثم ما لبث أن أزالها تحت الضغط الشعبي.
معادلة جديدة
ويتفق الناشط المقدسي الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب مع سابقه بأن وحدة المقدسيين وثباتهم، أثبتت بأنهم موحدون خلف قضية الأقصى، وأن المساس به خط أحمر.
ويضيف لوكالة "صفا" أن المقدسيين كانوا يعلمون أن الاحتلال لا يفهم إلا هذه اللغة، لذلك أصروا على البقاء عند أبواب الأقصى بأعداد كبيرة، وهذا ما فرض معادلة وأمر واقع جديد أجبر الاحتلال على التراجع عن كل إجراءاته.
ويؤكد ضرورة استثمار الانتصار بالبقاء والتواجد بشكل دائم في الأقصى وعند أبوابه، وتكثيف الحراك الشعبي حفاظًا على الأقصى، ورفضًا لكل إجراءاته ومشاريعه التهويدية.
ووفق أبو دياب، فإن الاحتلال دائمًا لا يقبل بالهزيمة، لذلك سيحاول الانتقام من المقدسيين عبر إجراءات عدة، بما فيها هدم المزيد من المنازل، وفصل قرى عن مركز القدس وزيادة عدد المستوطنين، وغيرها، وذلك من أجل رفع معنويات الجمهور الإسرائيلي.
و"لقد أسس الزخم الشعبي وهذا الانتصار لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع الديني على الأقصى، وأكد بشكل قاطع أن المساس فيه خط أحمر، وأن الأيدي التي ستطاله ستُقطع"، يقول المختص في شؤون القدس جمال عمرو لوكالة "صفا".
ويوضح عمرو: "نحن اليوم بتنا أمام معطيات بارزة ومرحلة جديدة قد تؤسس لانتصار مدوي وكبير في معركتنا مع الاحتلال، وستقلب الموازين من مادية إلى دينية، لأن الصراع على الأقصى هو صراع ديني".
ولكن أمام هذا الانتصار، فإن" الاحتلال سيبذل قصارى جهده، وسيستنفر قواته في القدس لامتصاص ما لحق به من مذلة ومهانة أمام إرادة وصمود المقدسيين، وسيحاول الانتقام منهم بكافة الوسائل، وسيعمل على تشوبه هذا النصر". يؤكد عمرو
فشل إسرائيلي
الكاتب المقدسي راسم عبيدات يعتبر أن ما تحقق من صمود مقدسي تُوج بالنصر ما كان له أن يكون لولا توفر شروط وعوامل هذا الانتصار.
ويوضح أن في مقدمه هذه العوامل وحدة الحلقة المقدسية بكل مكوناتها ومركباتها الوطنية والدينية والمجتمعية والشعبية، ووحدة القرار والزخم الشعبي الكبير واستمراريته في هذه المعركة، وكذلك الثبات والصمود على الهدف في إطاره التكتيكي لإزالة كل التغيرات التي طالت الأقصى.
وبحسب عبيدات، حاول الاحتلال حتى اللحظة الأخيرة المساومة على هذه التغيرات، بنزع البوابات الإلكترونية والإبقاء على الكاميرات الذكية والجسور والأعمدة الحديدية، لكن تلك المساومة فشلت، أمام رهان المحتل على شق واختراق الموقف المقدسي.
ويضيف أن الاحتلال كان متوهمًا بأن المرجعيات الدينية قد يحدث بينها شرخ أو الجماهير الشعبية أو المكونات الوطنية والسياسية، لكن قضية الأقصى كانت فوق كل الخلافات والفئويات والحزبيات، ولذلك كان النصر مقدسي شعبي وطني ديني بامتياز.
فقضية الأقصى يؤكد عبيدات، وطنية بامتياز وببعد ديني، وأن هذا النصر المتحقق قد يشكل حاضنة ورافعة لانتصارات أخرى، ليس في قضية الأقصى فقط، بل في قضية القدس والقضايا الكبرى.
وبنظر عبيدات، فإن المطلوب حاليًا العمل على مراكمات الإنجاز، لكي تعود الأمور في الأقصى إلى ما كانت عليه قبل عام 1980، وسيطرة الأوقاف على السياحة الأجنبية وغيرها، بحيث تصبح هي من يتحكم بإدخال السياح، وليس الاحتلال الذي يسهل اقتحامات المستوطنين دون تنسيق أو موافقة الأوقاف.
ويشير إلى أن قضايا القدس المتمثلة بالتهويد والأسرلة تحتاج إلى معارك جماهيرية كبرى مع الاحتلال، بحيث تخاص بشكل جماهيري واسع وبأداة وقيادة موحدة من أجل الحفاظ على هويتها وطابعها العربي والإسلامي.
لمتابعة حسابات وكالة "صفا" عبر المواقع الاجتماعية:
تلجرام| http://telegram.me/safaps
تويتر| http://twitter.com/SafaPs
فيسبوك| http://facebook.com/safaps
انستغرام| http://instagram.com/safappa
يوتيوب| http://youtube.com/user/safappa