تهديدات "ساخنة" ومناورات واسعة.. هل يُقدم نتنياهو على "مغامرة خطيرة"؟

غزة- أكرم الشافعي - خاص صفا
تسارعت وتيرة التهديدات الإسرائيلية غير المسبوقة على لسان القيادات الأمنية والسياسية في تزامن مثير للانتباه مع مناورة عسكرية واسعة لجيش الاحتلال في إطار تحضيره لـ"حرب متعددة الجبهات".
وظهرت التهديدات، التي طالت جميع الساحات الفلسطينية والجبهات الخارجية، بشكل صريح مدعومة بنشوة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي قال بعد عدوانه الأخير على قطاع غزة، إن "إسرائيل تُفاجئ دومًا أعداءها".
وأعقب تصريحات نتنياهو، حديث لافت لوزير جيشه "يوآف جالانت" الذي ذكر أن "الهدف الرئيسي الذي نستعد له معقد وصعب"، داعيًا سلاح الجو لأن "يكون مستعدًا في كل لحظة".
ولم يقف الأمر عند التهديدات، التي رد عليها "حزب الله" بمناورتين عسكريتين في جنوبي لبنان، وإيران بـ"ألا خطوط حمراء في ردها على إسرائيل"، وحماس بأن "العدو تهديد لكل المنطقة، وتصريحاته تعبير عن خوفه"؛ بل تصاعدت عدوانية الاحتلال بانطلاق مناورة ضخمة لأسلحة البر والبحر والجو، تستمر أسبوعين، وتشمل الأراضي المحتلة كافة.
ويجمع محللون مختصون بالشأن الإسرائيلي والأمن القومي أن نتنياهو جادُ في مساعيه في الهجوم على إحدى الجبهات، بعد تمكّنه من استخدام العدوان الأخير على غزة لتحقيق أهداف داخلية.
ويشير هؤلاء، في أحاديث منفصلة لوكالة "صفا"، إلى أن التهديدات الإسرائيلية، التي رافقتها مناورات غير تقليدية من الجانبين، "رسائل من نار" لها أبعاد وأهداف عدة، قد تدفع نتنياهو للمبادرة بالهجوم "ولكن.. كيف ومتى وأين؟!".
وعلى الرغم من جدية "قادة الجبهات" في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية، فإن مختصين آخرين لا يستبعدون أن تكون محاولة لترميم "الردع" الإسرائيلي الذي بدأ يتآكل، دون الوصول إلى عدوان كبير قد ينزلق بالمنطقة لحرب طويلة.
رسائل نار متبادلة
ويرى الأكاديمي الباحث في الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر، أن مناورات الجانبين "تبقى في طور تبادل الرسائل النارية حتى تظهر حقيقة المناورات على الأرض، وقد تفضي بأحد الطرفين لضربة استباقية وفقًا لتوفر المعلومات الاستخباراتية لأحدهما".
ويوضح الباحث أبو عامر، خلال حديثه لوكالة "صفا"، أن ما عجز الاحتلال عن تحقيقه في غزة خلال العدوان الأخير رغم اغتياله قادة كبار من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، قد يدفع نتنياهو- الذي خرج بصورة المنتشي بالنصر- باتجاه عملية عسكرية أخرى، ولكن باتجاه مختلف.
ويشير إلى أن "نتنياهو استطاع استعادة بعض من شعبيته المتآكلة وردع الدولة المفقود بعد عدوانه على غزة"، لافتًا إلى أن ذلك "برز من خلال حجم الرضا من الجيش والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية".
لكن مع ذلك، يوضح أبو عامر أنّ "هذا لا يعني حتمية شن عدوان قريب باتجاه الجنوب اللبناني أو إيران، على اعتبار أنَ الجبهات الأخرى ليست مشابهة لجبهة غزة نظرًا لاختلاف القدرات والإمكانيات".
ويلفت إلى أنّ الذهاب لمواجهة مع حزب الله وإيران تحتاج لتقارير استخبارية داعمة ومعطيات وتقديرات وتجهيزات تفوق ما يحتاجه الهجوم على قطاع غزة.
ويرجح الباحث في الشأن الإسرائيلي أن يلجأ نتنياهو "لضربة محدودة ومركزة" ضد منشأة هنا أو هناك، ولا يفضي ذلك إلى الدخول بحرب واسعة.
ويضيف "في هذه الحالة قد تستدعي إيران حلفاءها في المنطقة- سوريا أو لبنان أو العراق أو اليمن- للدفاع عنها دون الوصول لمواجهة مباشرة مع الاحتلال".
"نشوة مزيفة".. ولكن
أما الباحث في الشأن الإسرائيلي ناجي البطة، فيرى أنّ "نشوة نتنياهو في الفترة الأخيرة ولاسيما بعد العدوان الأخير على غزة مزيفة وغير حقيقية، كونها نشوة الهروب إلى الأمام من المشاكل التي يعاني منها الكيان ولم يمر بمثلها منذ نشأته".
وبحسب ما يعتقد البطة خلال حديثه لوكالة "صفا"، فإن "أكثر شيء يهدد هذا الكيان هو الانفجار الداخلي نتيجة عدم التجانس بين مكوناته المختلفة".
ويقول: "تعودت الصهيونية أن تتجمع على عداء خارجي لتجاوز التناقضات داخل الكيان، وعندما لا يكون ذلك ينشغل كل منهم بالآخر، وهذا ما يحصل".
ويلفت إلى أنه وعلى الرغم من أن نتنياهو صاحب أطول فترة حكم فاقت أول رئيس وزراء للكيان ديفيد بن غوريون، "إلا أنه يريد فيما يدّعيه من نشوة، تجاوز ملاحقته بأربع قضايا لو أدين بإحداها سيدخل السجن، وكذلك الصراعات التي وصلت حد الاشتباك".
ويشير الباحث البطة إلى أن "هذه النشوة ذات بعدين، ظهر الأول نحو الداخل الفلسطيني المحتل والضفة الغربية، إذ أطلق يد مستوطنيه في الداخل حتى تجرّأوا على قتل المغدور الشهيد ديار العمري، كما أن الضفة خاصرة ضعيفة للفلسطينيين بفضل الجغرافيا والتنسيق الأمني".
ويضيف "وبذلك يمكن لنتنياهو الحصول على نتائج يستطيع تصديرها لاسترضاء المستوطنين والحلفاء".
أما البُعد الثاني فهو رغبته في تحييد جبهة غزة مع جديته في التهديدات نحو إيران وحزب الله؛ لإضعاف "محور المقاومة" وضرب رأسه.
"نتنياهو جادُ"
ويتفق المختص بالأمن القومي إبراهيم حبيب مع سابقيه في أن نتنياهو جاد في مساعيه لكسب الناخب الإسرائيلي والأحزاب المتشددة التي تشكل حكومة اليمين وتعزز قوته، خاصة في ظل موافقة الجيش والاستخبارات ومساندتهما له.
ويعتقد حبيب أن "الأمر قد يكون باتجاه القدس والضفة أكثر من غزة؛ إذ إن جولة جديدة من القتال مع غزة ستكون أوسع وأكثر شراسة وقد تمتد لأسابيع بدخول حركة حماس بشكل مباشر، وبذلك ستكون ثقيلة على الجبهة الإسرائيلية الداخلية".
ويلفت إلى أنّ الاحتلال "اختصر الجولة الأخيرة من العدوان على غزة في عدة أيام دون محاولته توسيعها كون قيادته معنية بجبهة أخرى".
ويضيف "هناك محاولة إسرائيلية حثيثة لاستغلال الظرف الإقليمي لتوجيه ضربة لإيران بزعم قرب الأخيرة من صناعة القنبلة النووية، وهذا ظاهر من خلال التصريحات المتلاحقة التي تحاول تسخين الأجواء".
ويتابع "التصريحات الأخيرة باتجاه إيران وحزب الله، تَشِي بأن هناك غطاءً أمريكيًا غربيًا، ولكن عامل الوقت هو المهم.. متى وأين وكيف ستوجه الضربة لإيران؟".
ويوضح أنّ "إسرائيل لا تستطيع التعايش مع إيران النووية، وهذه الأمور تفتح شهية الذهاب إلى حرب إقليمية حقيقية في المنطقة، كون نتنياهو معروف بالجرأة في مثل هذه المواقف واتخاذ القرارات".
وبشأن إمكانية استخدام نتنياهو أسلوب "الخداع" عبر تسخين جبهة لأجل التمويه وضرب جبهة أخرى، يشير حبيب إلى "أنّ ذلك قد يكون واردًا".
أ ش/أ ج

/ تعليق عبر الفيس بوك