شهدت تجارة الأراضي في الضفة الغربية رواجًا منقطع النظير في الأعوام الثلاثة الأخيرة أعقبه ارتفاع كبير في الأسعار وإقبال كبير على شراء الأرض من قبل مستثمرين ومواطنين وأجانب، كما انتشرت الشركات المحلية والأجنبية التي تقوم على عمليات شراء الأرض وبيعها.
ولئن كانت عملية شراء الأراضي مسألة اعتيادية فإن السماح للأجانب بالشراء يثير جدلاً بين الفلسطينيين سيما على صعيد التخوفات من تسريبها لاحقًا للإسرائيليين في ظل الألاعيب المعروفة التي تلجأ إليها الوكالة اليهودية وسلطات الاحتلال في شراء الأراضي الفلسطينية.
قرار مثير للجدل
ويقول المحامي والباحث القانوني محمد كممجي: تعود قضية السماح للأجانب بتملك الأراضي في الضفة إلى قرار اتخذته الحكومة الفلسطينية في رام الله في الـ13 من فبراير 2008 بشأن تملك الأجانب للعقارات في فلسطين.
ويضيف كممجي لوكالة "صفا "أنه جاء في نص القرار، تمنح أذونات الشراء الخاصة بالأراضي للأجانب بناء على الكشف المقدم من سلطة الأراضي".
ويتابع "بحسب ما أوضحه رئيس الوزراء في رام الله سلام فياض فإن القرار يتعلق بالفلسطينيين المقيمين في الخارج بالدرجة الأولى وأنه جاء من أجل تحقيق المصلحة الوطنية، ولكنه أيضًا يسمح للأجانب من غير الفلسطينيين بالتملك".
ويؤكد أن تلك التعليلات والتفسيرات هي في حقيقتها مخالفة صريحة للقانون الفلسطيني ولقانون تشريعات الأراضي، إذ أن مشروع القرار جاء مترافقا مع عقد مؤتمر تشجيع الاستثمار في بيت لحم في حينه من أجل تشجيع المستثمرين العرب والأجانب.
ويشدد كممجي على أن هذا القرار يشكل في حقيقته خطورة على منازعة الأجانب للتملك على حساب الفلسطينيين وخطورة ذلك تكمن في الوضعية التي تعيشها السلطة بحسب مفهوم أوسلو حيث لا تشكل ضمانة لقدرتها العملية على حماية الأرض والمواطن الفلسطيني بفعل تحكم الاحتلال.
إقبال كبير
ويرى تاجر الأراضي في جنين محمود هيجاوي أن نشاط الشركات المحلية والدولية المتخصصة في شراء الأراضي والعقارات في الضفة هو اعتيادي كما في كل دول العالم، مستدركًا "لكن نتيجة أطماع الإسرائيليين في أرضنا فإنه يجب أن يثير الريبة والتدقيق".
ويلفت هيجاوي في تصريحه لوكالة "صفا" إلى أن هذه الشركات نشطت عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية ورغبة المستثمرين في استبدال الأوراق النقدية بالأرض بعد الخسائر التي منوا بها في أسواق الأسهم العالمية.
ويقول: "فتحت شهية المستثمرين الأجانب على أراضي الدول النامية لرخص أسعارها، ولكن الوضع في فلسطين يحمل حساسيات مختلفة لشراء الأرض خوف تسريبها للإسرائيليين".
ويحذر "رغم أن شراء الأجنبي للأرض الفلسطينية يقترن بموافقة مجلس الوزراء حسب قرار عام 2008 إلا أنه ضمان غير كاف".
ويلفت إلى أن هناك صفقات أراضي مثيرة للجدل حتى من قبل مستثمرين فلسطينيين كبار وليس من قبل أجانب، و"هناك مستثمر فلسطيني اشترى أراضي من أصحابها موجودة داخل المستوطنات وأخرى في منطقة الشريعة العسكرية الإسرائيلية على نهر الأردن".
ويطالب هيجاوي بإعادة النظر بقانون استملاك الأجانب لفلسطين وعدم النظر إليه من زاوية تشجيع الاستثمار فقط لأنه لا ضمانة من قيام الأجنبي بالتنازل عن الأرض التي استملكها لجهة إسرائيلية سيما في ظل التقلبات السياسية وضعف سيطرة السلطة.
وتساءل "ما الذي سيمنع المستثمر الأجنبي من التنازل عنها (الأرض) في حال تم إنهاء الوجود السياسي للسلطة من قبل إسرائيل على سبيل المثال؟".
لكن المستشار القانوني في دائرة تسجيل الأراضي محمد وافي قلل من هذه المخاوف، باعتبار أن قرار الحكومة لا يحتمل كل هذه المخاطر.
ويرى في تصريح لوكالة "صفا" أن هذا القرار يهدف لتشجيع الاستثمار وتثبيت المواطن في أرضه، وأي قرار بتمليك الأجانب يتطلب موافقة مجلس الوزراء مما يعني التثبت من هوية الأجنبي وأهدافه.
ونبه وافي إلى "وجود ما يكفي من الإجراءات الكفيلة بحفظ الأرض الفلسطينية من التسريب للإسرائيليين".
حرمة شرعية
وكان علماء مسلمون انتقدوا هذا القرار في حينه، وعدوه مخالفة شرعية وحذروا مما أسموه "التمهيد لتهويد المزيد من أراضي الضفة بطرق ملتوية".
وتعد فتوى مفتي القدس والديار الفلسطينية السابق وخطيب المسجد الأقصى عكرمة صبري أحد أبرز تلك الفتاوى والتي تؤكد على عدم جواز تمليك أي شبر من أرض فلسطين للأجنبي غير المسلم "فهي أرض خراجية وقفية لا يجوز بيعها وتمليكها للغير".
وأشار الشيخ صبري في نص فتواه ردًا على هذا القرار "إلى وجود فتاوى لعلماء المسلمين منذ بداية الثلاثينيات تحرم ذلك".
وأكد حينها أنه منذ أوائل ثلاثينيات القرن الماضي أصدر علماء المسلمين بفلسطين فتوى مفادها أنه يحرم بيع أي جزء من أرض فلسطين لليهود أو للأجانب، وأن أي شخص يعتبر خارجًا عن جماعة المسلمين وتاركًا للدين الإسلامي، وإذا توفى لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن بمقابر المسلمين.
وبين صبري أن هذه الفتوى وقع عليها علماء من مختلف الأقطار الإسلامية، ومنهم علماء من الأزهر الشريف بمصر والنجف بالعراق وعلماء الهند وغيرها "للدلالة على أن علماء المسلمين في العالم الإسلامي قد أجمعوا على ذلك، باعتبار أن فلسطين أرض خراجية وقفية لا يجوز بيعها وتمليكها للغير".
وتابع "في الأعوام الأخيرة أحيينا هذه الفتوى ونشرناها وأكدنا عليها من جديد وما تزال هذه الفتوى قائمة ومعمول بها"، مشددًا على "أرض فلسطين أرض وقف لا يجوز تمليكها لأحد".