وبداية الانفصال الإسرائيلي عن القطاع

تحليل: منع دخول السلع لغزة مقدمة لتمرير "صفقة القرن"

غزة - رشا بركة صفا

يُشكل القرار الإسرائيلي القاضي بمنع إدخال معظم السلع إلى قطاع غزة عبر البوابة الاقتصادية الوحيدة لسكانه وهي معبر كرم أبو سالم التجاري، المنفّذ بدءًا من الثلاثاء، واحدة من "محاولات اللحظة الأخيرة" للحصول على ثمن سياسي من غزة، يتوافق مع ما هو مطروح دوليًا في المرحلة الراهنة والمعروف باسم "صفقة القرن"، كما يؤكد محللان سياسيان.

ويؤكد المحللان أن بدء تنفيذ قرار منع إدخال السلع هو خطوة أولى متدحرجة نحو تخلص "إسرائيل" نهائيًا من قطاع غزة، ودفع الغزيين للبحث عن بديل لها وهو مصر، التي هي الأخرى تنفذ خطوات متزامنة، ضمن اتفاق إقليمي لتمرير الصفقة وفصل غزة عن الضفة.

ومنعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي صباح الثلاثاء دخول أصناف عديدة من المواد والسلع عبر معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرق القطاع باستثناء عدد قليل من الشاحنات المحملة بالبضائع لقطاعات محدودة، وذلك تنفيذًا لقراره الحكومة الإسرائيلية الصادر أمس بمنع إدخال معظم السلع إلى القطاع بدءًا من اليوم.

ويتضمن القرار مبدئيًا منع إدخال معظم السلع عدا المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والأبقار والأعلاف والقمح والقش، كما يُمنع استيراد أو تصدير أي شيء غير ما ذُكر.

"محاولات اللحظة الأخيرة"

ويقول المحلل السياسي تيسير محيسن لوكالة "صفا":  إن الضغط الإسرائيلي الممارس على غزة ليس بالجديد وهو قائم منذ 12 عامًا، ولكن اليوم الإجراءات الجديدة بشان المعابر والضغط الحياتي على سكانها، هو محاولات اللحظة الأخيرة للحصول على ثمن سياسي من غزة نحو تمرير "صفقة القرن"، والمقصود بغزة هنا حركة حماس كونها تدير شئون القطاع.

ويشير محيسن إلى أن تأخير إعلان الصفقة المذكورة جاء بحكم أن البيئة الإقليمية والمحلية غير جاهزة لقبولها، لكن الأطراف جميعًا الدولية التي تؤيد هذه الصفقة تتفق رغم اختلافها في كيفية التهيئة لها، على أن البوابة الإنسانية هي أفضل مدخل لتمريرها.

ويحمل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في جعبته ما تسمى بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية، والتي تشير التسريبات إلى أنه يتم التحضير  لتطبيقها في الفترة المقبلة بدعم من بعض الدول العربية المطبعة مع الاحتلال.

ومن أجل ذلك هم- يعني الأطراف الدولية بقيادة الإدارة الأمريكية- يحاولون الضغط من هذا الجانب، ومن جانب أخر تهدف هذه الخطوة إلى دفع الغزيين إلى البحث عن "البديل الجاهز" لتغطية النقص في الاحتياجات الأساسية وهو مصر، يقول محيسن.

وبعد منع دخول معظم أنواع السلع، سيتجه تجار القطاع المتضررون حتمًا إلى التعاقد مع شركات مصرية لإدخال بضائعهم عبر البوابة المصرية وهي معبر رفح البري.

وهنا يقول المحلل السياسي: "إن مصر لا ولن تعارض ذلك، فما يحدث على أرض الواقع من بدء إنشاء منطقة تجارية مع غزة بالإضافة إلى وضع جدر إسمنتية حول مطار العريش، بالإضافة إلى سماح مصر إدخال شاحنات عبر معبر رفح لغزة، كلها خطوات مدروسة في هذا الاتجاه.

"ثمن سياسي"

الجميع من وجهة نظر محيسن يسعى لتحقيق مخطط "دولة غزة الموسعة"، ومصر لا تعارض ذلك لأنها ستستفيد من عوائد اقتصادية كبيرة، وهي لا تعارض استخدام أراضيها من أجل ذلك، وتريد أن تبرز بدور المخفف لحصار القطاع، كي لا تظهر وكأنها تنازلت عن أراض لها أو مررت الصفقة.

لكن محيسن يجزم في حديثه أن هذا القرار المانع لن يتوقف عند هذه المرحلة، وسيتدرج التقليص ليصل إلى نقطة الصفر في العلاقة معها، أي للانفصال الإسرائيلي النهائي عن غزة، قائلًا: "إنه ومن هنا حتى نهاية العام ستكون مظاهر هذا الأمر واضحة تمامًا".

كل هذا تريد من خلاله "إسرائيل" والأطراف الإقليمية الموالية، الحصول من خلاله على ثمن سياسي، ولهذا فإن ما يحدث ضغط على السكان مقابل تخفيف مصري للوصول إلى كسر الحصار من جانبها، وبالتالي تتقدم غزة "أي حماس" لتقديم ثمن سياسي هو تهدئة بعيدة المدى بالإضافة إلى صفقة تبادل أسرى، وهو ما تحلم به "اسرائيل" حاليًا.

إضعاف وفصل غزة والضفة

المحلل السياسي إبراهيم أبراش اتفق بداية حديثه كما بدأه محيسن بالقول إن هذا القرار والإجراءات الإسرائيلية الأخيرة الجديدة تجاه غزة أصبحت مرتبطة بصفقة القرن، قائلًا: "إسرائيل تريد قطع علاقتها بغزة بالتدريج تجاه الجنوب"، ويعني مصر.

ويقول أبراش لوكالة "صفا": "مصر ستقوم بتعويض سكان القطاع عن هذا النقص في السلع، لكن هذا وإن بدا تخفيفًا للحصار، لكنه مخطط خطير نحو فصل غزة عن إسرائيل والذي يعني فصلها عن الضفة والسلطة الفلسطينية".

ومن وجهة نظره، فإن "إسرائيل" تريد في ذات الوقت إيجاد حلول لغزة بعيدًا عن السلطة الفلسطينية، وهي تهدف أيضًا لإضعاف الأخيرة كونها ترفض حاليًا صفقة القرن.

ولكنه حذر أيضًا كما محيسن من خطورة ما يحدث، وهو يقول: "كل ما يحدث يهدف لإضعاف كل الأطراف الفلسطينية في غزة أو الضفة، ويسعى للوصول إلى تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، عبر منع إقامة دولة على أراضي الـ67 وهي غزة والضفة".

ويعيد تذكير الجميع ويحذرهم من أن ما يجري مخطط يستهدف غزة والضفة، مع اختلاف شكل الاستهداف لكلاهما، وصولًا إلى إغراق الجميع في الأزمات الإنسانية والرواتب وبالتالي إسقاط المسألة الأساسية وهي مواجهة الاحتلال.

/ تعليق عبر الفيس بوك