قدّمت مؤسسات المجتمع المدني في قطاع غزة اليوم الأربعاء شكوى إلى محكمة الجنايات الدولية لإدانة الاحتلال الإسرائيلي على الجرائم التي ارتكبها في القطاع خلال حصاره الممتد لـ11 عاماً.
ونظمت مؤسسات المجتمع المدني مؤتمرا صحفيا بهذا الخصوص في مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة حضره عشرات المختصين في القطاع الصحي ومحامون ومختصون.
وقال المحامي محمود عفانة "نقدّم اليوم هذا الموقف القانوني التاريخي المفصلي في قضيتنا لنثبت ونبين حجم الانصهار في بوتقة واحدة تحت مظلة الانسان وحقوقه المتمثلة في نيل استقلاله وكرامته والعيش الكريم بأمن وسلام".
وبيّن عفانة أن الشكوى تمت كتابتها بواسطة أربعين محاميا من قطاع غزة، وبتنسيق من المحامي الدولي جيلز ديفيرز وباحتضان مؤسسات المجتمع المدني.
ولفت عفانة إلى السلطة الفلسطينية بعد اعتماد معاهدة المحكمة الجنائية الدولية لم تقدم أي شكوى ضد الاحتلال ما أدى إلى تقاعس المدعي العام عن فتح أي تحقيق يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأضاف " تحرّكنا مع أصحاب الضمير من أحرار العالم لأجل خدمة قضيتنا العادلة، مستندين في ذلك إلى النظام الأساسي الدقيق للمحكمة الجنائية والذي هو دقيق جدا".
وأكد عفانة أن الشكوى التي قدّموها لمحكمة الجنايات الدولية تم التأكد منها من قبل المحكمة الدولية حيث أمر المدعي العام (بفتح تحقيق) في تلك الجرائم، وهذا ما هو ثابت بحق الاحتلال.
وأمر المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في يناير عام 2015 بإجراء (معاينة أولية) للتثبت من شكوى تقدم بها محامون فلسطينيون من قطاع غزة.
وبيّن عفانة أن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق غزة تعد انتهاكاً للقانون الدولي، وانتهاكا لحق الشعب في تقرير مصيره، وانتهاكا للإعلان العالمي لحقوق الانسان، مضيفاً "هذا الاحتلال الذي يشرعن الحصار والذي يعد كارثة إبادة جماعية ضخمة أمام أعين الناس هدفه معاقبة إرادة الشعب ومحاربة حقه في الرأي والتعبير وحريته في الاعتقاد السياسي".
وقال إن "الاحتلال لم يكتفي بالحصار إنما تعداه لارتكاب جرائم حرب ضد شعبنا في قطاع غزة، ولارتكابه جريمة تدمير المساجد والمستشفيات والبنى التحتية والمدارس التي كانت تستخدم كملاجئ وهى جرائم أكتر من أن تحصى في هذا المقام".
وثمّن عفانة جهده برفقة زملائه الصحفيين تقديم هذه الشكوى للمحكمة الدولية، مضيفاً "نقدر ونفخر ونعتز بهذا التحرك ومن ثلة من المحامين الأحرار في العالم والذين يسطرون موقفا قانونيا تاريخيا ومنعطفا استراتيجيا في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني".
القطاع الصحي
وأكد مدير مستشفى الوفاء التخصصي بسمان العشي في كلمة ممثلة عن القطاع الصحي في غزة، أن كل ما يحتاجه المدعي العام لفتح تحقيق كامل هو "وجود أساس معقول لتصديق أن هناك جرائم من ضمن صلاحيات المحكمة قد تم ارتكابها".
وقال العشي "إن تدمير مستشفى الوفاء للتأهيل الطبي، وهي موقع محمي بناءً على اتفاقية جنيف الدولية وتم تدميرها خلال فترة النزاع المسلح يقدم هذا الأساس".
وأشار إلى أن الهجمات الإسرائيلية على مستشفيات الأقصى والدرة وبيت حانون جميعها كانت أهداف مباشرة، والأول نتج عنه وفيات، وثلاثتهم جميعاً نتج عنهم إصابات للجرحى، وللعاملين وللمدنيين كذلك.
وتسبب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف عام 2014 بدمار عدة مشاف، كما أدى لتدمير كلي 6 عيادات للرعاية الأولية و 7 اسعافات، ومقتل 33 من العاملين في المجال الصحي وإصابة 109 منهم.
وذكر العشي أن هذه الأدلة وقعت جميعاً في العدوان الإسرائيلي عام 2014، بالإضافة إلى تأثير حصار غزة على القطاع الصحي، وعلى صحة وحياة الفلسطينيين.
وأضاف أن "المرضى يموتون بسبب عدم توفر الأدوية، وعدم توفر العلاج، وعدم توفر الكهرباء لتشغيل التقنيات الطبية مثل أجهزة غسيل الكلى وأجهزة التنفس الصناعي؛ إنهم يموتون على الحدود لأنهم غير قادرين على الخروج منها للحصول على العلاج اللازم لإنقاذ حياتهم بالخارج".
كما أوضح العشي أن الأطباء والعاملين في المجال الصحي في غزة غير قادرين على السفر للخارج لمواصلة دراستهم، ولتعلم تقنيات وطرق جديدة لتحسين أدائهم.
ونوّه إلى أن الحصار الإسرائيلي تسبب بعدم مقدرة القطاع الصحي في غزة على ادخال المعدات، أو حتى قطع الغيار اللازمة لإصلاحها عند تعطلها، ولا يمكن تدريب التقنيين حول كيفية استخدامها أو إصلاحها.
وذكر أن الكثير الأشخاص العالقين في غزة "المرضى، والعاملين في المجال الطبي وعائلاتهم" ليسوا غزيين أصليين حتى بل هم لاجئون فلسطينيون تم اجبارهم على مغادرة منازلهم والتي لهم حق العودة اليها، وهو حق منصوص عليه في القانون الدولي.
ولفت إلى أنه خلال الثلاث سنوات الأخيرة، تم تسليم كم هائل من الشكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بواسطة الضحايا الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي، قائلاً "نحن نعتقد بأنه هناك أكثر من "اساس معقول" لتصديق أن هناك جرائم من ضمن صلاحيات المحكمة قد تم ارتكابها، وهي أدلة دامغة ويمكن التحقق منها".
وطالب العشي المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية للتصرف في المعلومات المقدمة إليه، وتحريك القضية الفلسطينية باتجاه فتح تحقيق كامل.
معاناة الشباب
وقالت الشابة رنا شبير في كلمة ممثلة عن الشباب في غزة إن محكمة الجنايات لديها الأدلة الكافية لفتح تحقيقا كاملا، مبينةً أن الانقطاع الكهربائي المتكرر والحاد قد ازداد سوءا في الشهور الأخيرة مما أثر على جميع مناحي الحياة، حيث أن توفر الكهرباء لا يتجاوز من 2-3 ساعات يوميا.
وذكرت شبير أن شباب غزة لديهم أحلام وطموحات وأماني كغيرهم من الشباب، فهم يعشقون حقهم في التعليم ولكنهم ممنوعين من السفر للدراسة بسبب الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 11 عاما.
وبيّنت شبير أن معظم الشبان في غزة حرموا من المنح الدراسية بسبب إغلاق المعابر، حيث أنهم انتظروا طويلا ولكن دون جدوى، قائلةً "لقد تحطمت أمالهم وقتلت أحلامهم؛ إن مخاوفهم تزايدت، وأشدها الخوف من أن يبقوا عالقين داخل غزة.
وتساءلت "ما هو المستقبل الذي ينتظر هؤلاء الشباب إن حرموا من حقهم في تحقيق أحلام مستقبلهم الذي رسموه لأنفسهم؟".
وتابعت حديثها "حتى أبسط الأمور بالنسبة للشعوب الأخرى تعد أمرا معقدا بالنسبة لنا؛ أحيانا نرغب في شراء كتب أو مواد تعليمية من الخارج، ولكن البريد العادي الذي يتحكم به الجانب الإسرائيلي ليس مضموناً وكثير من المواد تمنع دخول غزة.
وأشارت شبير إلى أن الحصار الإسرائيلي للقطاع قد ازداد سوءا بسبب العدوان المتكرر على غزة مما عمق من مخاوف الشباب وهو ما يلقي بظلال قاتمة على شباب غزة وأهلها.
وطالبت السماح لشباب غزة بالعيش كباقي شباب العالم "فنحن نريد أن نحصل على حقوقنا الأساسية التي كفلتها لنان القوانين الدولية والقانون الإنساني، ونريد أن نعيش ونحن مطمئنون بأن أبنائنا ينتظرهم مستقبلا مشرقا كالابتسامات التي تعلو وجوههم".