على بعد أمتار من الجدار الذي يخنق أراضي قرية مسحة والقرى المجاورة غرب محافظة سلفيت، يعلو ضجيج الآلات والرافعات والمعدات الثقيلة في عشرات المصانع الفلسطينية التي باتت وجهةً للأيدي العاملة من أقصى شمال الضفة الغربية المحتلة وحتى أقصى جنوبها.
المئات من المصانع المتخصصة بمختلف صنوف المنتجات الصناعية ابتداء من الأثاث وحتى الصناعات الإنشائية على اختلاف أنواعها، تتركز في بلدات مسحة وقراوة بني حسان وبديا، لتشكل حائط صد أمام موجات الاستيطان العاتية.
وحتى بداية انتفاضة الأقصى، كان الشارع الرئيس المار وسط مسحة سوقا تجاريا كبيرا تنتشر على جانبيه عشرات المتاجر الكبيرة، لكن بناء الجدار الفاصل وما رافقه من تحويل مسار الشارع، أصاب المنطقة في مقتل، ودفع التجار إلى التفكير بطريقة للتأقلم مع الوضع الجديد.
"أراد الاحتلال أن يدفعنا لترك المنطقة ببناء هذا الجدار، لكننا ثبتنا بإرادتنا واستطعنا الصمود"، يقول لوكالة "صفا" سهيل ريان صاحب ومدير عام شركة سهيل للزجاج والمرايا.
ويضطر ريان لتشغيل ورديتين كل يوم لتلبية الطلب المتزايد على منتجات شركته، في منطقة تميزت سابقا بحركة تجارية نشطة قبل أن يقتلها الجدار الفاصل والاستيطان الذي ينتشر كالنار في الهشيم.
ويذكر ريان أنه عندما فتح مصنعه المتواضع عام 1999 كان لديه عامل واحد، أما اليوم فيعمل لديه ثمانية من العمال المهرة، فضلا عن أحدث المعدات التي يتمتع بها مصنعه، والتي ترفع قدرته الإنتاجية إلى 1000 متر من الزجاج يوميا، وبمستوى جودة ينافس الصناعة الإسرائيلية.
ودفع حجم الطلب المتزايد لشركة سهيل لفتح فرع آخر في بلدة قراوة بني حسان المجاورة، متخصص بإنتاج الزجاج العازل.
حماية للأرض والإنسان
وتجثم على أراضي مسحة ثلاث مستوطنات هي "الكانا"، و"شعري بتيكفا"، و"عتسوايم"، وتسبب بناء الجدار باحتجاز ما نسبته 95% من أراضي القرية الزراعية البالغة حوالي 6000 دونم خلف الجدار، الأمر الذي حرم المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وألحق أشد الضرر بالاقتصاد الزراعي بالمنطقة.
ويشير الباحث في شؤون الاستيطان خالد معالي إلى أن الأراضي الواقعة خلف الجدار تعتبر مساحة للتوسع الاستيطاني، وأن أعمال التجريف والبناء الاستيطاني متواصلة بتلك الأراضي.
ويرى أصحاب المنشآت الصناعية في المنطقة أنه والى جانب العوائد التي تعود عليهم من الاستثمار الصناعي، فإنهم يساهمون بدور وطني من خلال تثبيت العمالة الفلسطينية وحماية الأرض من الاستيطان.
محمد عاصي، مدير الشركة العصرية للمفروشات التي تقوم على مساحة ثلاثة دونمات، يقول لوكالة "صفا" إن النهضة الصناعية في المنطقة أدت إلى رفع أسعار الأراضي في المنطقة أضعافا مضاعفة، مما زاد من تمسك المواطنين بأراضيهم.
ويشير إلى أن سعر دونم الأرض ارتفع من 10 آلاف دينار إلى 100 ألف دينار إن وُجد.
ويعمل لدى الشركة العصرية 70 عاملا من مختلف المحافظات، ويقول عاصي: "أجور العاملين لدينا تتراوح ما بين 4-7 آلاف شيكل شهريا، مما يجعلها تنافس أجور العاملين في المستوطنات القريبة".
ويضيف: "نتيجة هذا العدد الكبير من المصانع وصلت نسبة البطالة في المنطقة إلى صفر، بحيث أصبحنا نواجه صعوبة في توفير الأيدي العاملة من أبناء المنطقة، ونسعى لاستقطابها من مناطق أخرى".
الدعم الحكومي غائب
وفي مقابل النجاح الذي حققته الصناعة الفلسطينية في المنطقة، يشتكي أصحاب تلك المصانع من العراقيل التي توضع أمامهم من جانب السلطة الفلسطينية.
ويقول مدير شركة قزمار للتجارة والصناعة نزار قزمار لوكالة "صفا" إن الضرائب الإضافية التي تفرضها السلطة عليهم تثقل كاهلهم، وفي المقابل فإن الخدمات التي يحصلون عليها من الحكومة تساوي صفرا.
وتملك شركة قزمار وكالة لشركة الدهانات الإيطالية "فيرلينغو"، ووكالات لشركات تنتج آلات وخطوط إنتاج لمصانع الأثاث، بالإضافة إلى تجارة الأخشاب، ولديها محلات في رام الله وقلقيلية والخليل ومصنعان للأثاث في قريتي عزون وحبلة.
ويبين قزمار أن مجموع ما تدفعه شركته للسلطة من ضرائب يصل إلى مليون شيكل شهريا، ويقول: "نواجه معيقات في استيراد البضائع عبر الموانئ الإسرائيلية، وفي موازاة ذلك لا نلقى أي مساعدة من السلطة لمواجهة تلك المعيقات مقابل الضرائب التي ندفعها لها".
ويضيف قزمار: "وزارة المالية تنظر للتاجر على أنه لص، وتتهمه تارة بالتهرب الضريبي، وتارة أخرى بتبييض الأموال".
ويطالب سهيل ريان الجهات الحكومية بالعمل على تشجيع الاستثمار الصناعي في المنطقة، لما لذلك من أثر إيجابي سينعكس على صعيد توفير فرص العمل وحماية الأرض من الاستيطان ودعم الاقتصاد الوطني.
وبحسب جهاز الإحصاء المركزي فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل في الضفة 143 ألف عاطل عن العمل، بحوالي 18% من المشاركين في القوى العاملة لعام 2014.