لم تحتمل لجنة التخطيط والبناء الإسرائيلية أكثر من عام على تجميد قرار بناء طابقين جديدين لفندق "روسلان" السياحي بملاصقة مسجد المحمودية في مدينة يافا المحتلة، فأصدرت قرارًا في الخفاء بالموافقة على بنائهما.
ويعني القرار هذا طمس أكبر المعالم الإسلامية في يافا، بل الإرث الإسلامي الوحيد المتواجد في المنطقة، والذي يسمى أيضًا بالجامع الكبير، لكونه أكبر مساجد فلسطين بعد المسجد الأقصى المبارك.
ويُقام مسجد المحمودية على مساحة 4 دونمات من الأرض، وهو من أعظم المعالم الإسلامية بناءً، ويعد نموذجًا حيًا على إبداع العمارة العثمانية المتأثرة في بعض الأحيان بالعمارة في إسطنبول.
وكان مشروع إقامة الفندق قوبل باعتراض أهل المدينة، لكونه ملاصقًا للمسجد، ولا يوجد أدنى مسافة تفصل بينهما، الأمر الذي منع اللجنة المذكورة من الموافقة على إقامة ثلاثة طوابق له.
ولكن ودون دراية أهل يافا، منحت الدائرة التابعة لبلدية الاحتلال بـ"تل أبيب" قبل أسبوع الموافقة للشركة التي تمتلك مشروع الفندق، وهو ما اعتبرته المؤسسات الإسلامية فيها، مقدمة لمطالبة مستقبلية بمنع رفع الأذان فيه، بل وإزالة أجزاء منه.
لا أخلاقية
ويؤكد مسئول الرابطة الإسلامية لشئون عرب يافا عمر سكسك أن المسجد والأرض المحيطة به هي أراضي وقف إسلامي، وسبق أن استولت الشركة الإسرائيلية المشرفة على مشروع الفندق على أرض مكتبة ومحكمة شرعية تابعة للمسجد.
ويقول لوكالة "صفا" إن إحاطة المسجد بالفنادق خطوة غير أخلاقية وغير مقبولة، لأن للمسجد حرمته، وإحاطته طمس لهذا المعلم الحضاري الإسلامي الوحيد الموجود في المنطقة، ويأتي ضمن سياسة قائمة منذ سنوات.
وإضافة لذلك فإن الأمور الإباحية التي تمارس داخل وفي ساحات الفندق من حمامات سباحة ونساء عاريات، يمس بمشاعر أي إنسان مسلم، وفق سكسك.
وكانت بعض الجهات في يافا نفت أن تكون الأرض المقام عليها الفندق وقفًا إسلاميًا، وأن الرفض هوّن إقامته بملاصقة المسجد.
ولكن سكسك يؤكد أنه كان للمسجد بناية عبارة عن مكتبة ومحكمة شرعية، وهي مبنى أثري، "لكن المقاول الذي فاز في المناقصة اشترى الملكية مما تسمى دائرة أراضي اسرائيل، وبعدها استطاع أخذ التراخيص للبناء، وبالتالي هدم البناية المذكورة".
ويضيف "للأسف هم يفعلون ما يريدون في المقدسات الإسلامية في المدينة، ويغلقون أمامنا كافة الطرق القانونية، كما سبق وأن رفعنا اعتراضات للبلدية وللجنة التخطيط وغيرهما على إقامة الفندق، لكن جميعها رُفضت".
أملاك مصادرة
ويحيط بالمسجد أملاك إسلامية مقدسة، لكن "دائرة أراضي اسرائيل" سيطرت عليها بادعاءات عديدة، وصادرتها تحت ما يسمى بقانون "أملاك الغائبين".
وغطّى الطابق الأرضي الذي أقيم عنوةً رغم رفض أهل المدينة، على أبرز معالم المسجد الكبير، فيما سيشكّل إقامة طابقين أخرين طمسًا كاملاً لمعالمه، وسيطل أحد أجنحة الفندق على مسجد المحمودية مباشرة.
ويؤكد إمام المدينة سليمان سطل أن أهل يافا عجزوا عن فعل أي شيء مقابل الحراك الذي قامت به الشركة القائمة على مشروع الفندق، والتي التفّت على كافة القوانين، واستطاعت شراء الأرض، إقامة الطابق الأول من الفندق.
ويضيف "نحن لا نستطيع أن نفعل شيئًا من الناحية القانونية، فجميعهم من شركة ولجنة تخطيط وبلدية جهات إسرائيلية، ومن أجل ذلك حصلوا على الموافقة".
ويقع المسجد- الذي أنشأه الإمام محمد البيبي عام 1148ه/ 1735م- على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في مركز مدينة يافا.
مقدمة لمنع وإزالة
ويبعث إقامة الفندق، وفق إمام المدينة، بالقلق والخطر على الشعائر الإسلامية في المسجد، فمن ناحية سيطالب القائمون عليه بخفض أو منع رفع الأذان، ومن ناحية أخرى فإن إقامة الفندق هدفه التضييق على المسجد، ووضع قيود تحيطه من جميع النواحي.
ويضيف "ولذلك فإن مشاريع مستقبلية لتوسيع الفندق، قد يقابلها مطالبة بإزالة أجزاء منه أو إزالته، لأن الأرض التي يُقام عليها الفندق في الأساس والبالغة مساحتها أكثر من ثلاثة دونمات هي مقبرة إسلامية، ابتاعها المقاول الإسرائيلي من الدائرة الإسرائيلية المذكورة".
الحراك استُنفد
ويقول مسئول الهيئة الإسلامية في يافا محمد أشقر لوكالة "صفا" إن اعتراضنا لم يكن على إقامة طابقين أو طابق للفندق، وإنما لمجرد إقامة الفندق على أرض مقبرة، وتحويلها لمكان تمارس فيه الفواحش.
وبحسبه، فإن اعتراضات الهيئة وغيرها من الجهات كانت سبّاقة ومنذ 7 سنوات، تخللها حراكًا نضاليًا ومسيرات واحتجاجات عدة.
وفي نهاية المطاف توجه فلسطينيو يافا إلى القضاء الإسرائيلي، وقدّموا طلبًا وأوراقًا تثبت أنها أراضي وقف إسلامي، مطالبين بمنع إقامة الفندق.
ولكن يقول أشقر: "إن القضاء لم ينصفنا، لأنه جزء من المنظومة الإسرائيلية التي لا تعرف شيئًا اسمه الأخلاق أو المقدسات أو الأديان، ولا حتى الديمقراطية ولا القوانين، ولذلك نقولها بشكل واضح، ‘ن ملف الفندق استُنفد بشكل كامل، لأننا نتعامل مع كيان يضرب بعرض الحائط كل الحقوق والمبادئ الدينية والإنسانية".
ولكن سطل، يؤكد أنه وبالرغم من الأمر الواقع، إلا أن أهل يافا لن يقبلوا بأي ظرف من الظروف حتى مجرد هذه المطالبات، خاصة وأن المسجد يعد معلمًا تاريخيًا وإرثًا إسلاميًا لأهل المدينة.